الاخبار الرئيسيةمقالات

حوار صاخب في الوقت الضائع

صحيفة “الأخبار”: جوني منيّر

كان متوقعاً أن يرتفع مستوى الصخب السياسي الداخل بعد عودة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من زيارته الى باريس، وقبلها الفاتيكان. فمَوقف الراعي الداعي الى فتح الخيارات الرئاسية وعدم حصرها بخيار واحد وحيد وعلى قاعدة التحاور مع الجميع وعلى رأسهم الثنائي الشيعي، في مقابل عدم كسر الاجماع الحزبي المسيحي. وهذا الواقع ضيّقَ هامش المناورة امام رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أصبح مُلزماً بتحديد جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، ولو انّها لن تؤدي الى ولادة الرئيس العتيد.

الأرجح انّ هذه الجلسة سيجري توظيفها في إطار لعبة شد الحبال القائمة وليس للتوصّل لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ذلك انّ حسابات البوانتاجات التي انطلقت، تُركّز على الرقم الذي سيسجّله كل مرشح والسعي لاحقاً لتوظيف ذلك في الحملات الاعلامية.

وفي قراءة مفصّلة فإنّ اي اسم من الاسمين المطروحين غير قادر على الوصول الى حاجز الـ 64 صوتاً، مع تَبرّع كتلة جنبلاط للذهاب الى اقتراع الورقة البيضاء وانضمام بعض المستقلّين الى هذا الخيار. لكنّ المشكلة هي في الارقام التي سينالها كل مرشح، ما سيعني الكثير لاحقاً في موضوع تعزيز الفرص او اضعافها. لذلك يرجّح البعض ان يذهب الثنائي الشيعي الى الاستمرار في سياسة الاقتراع بورقة بيضاء تحاشياً لأي نتيجة «رقمية» غير مضمونة، خصوصاً انّ هنالك العديد من النواب الذين سيذهبون الى الورقة البيضاء ولكن رفضاً لخيار أيّ من المرشحين الاثنين. وبذلك يصبح «الاختباء» خلف الورقة البيضاء مخرجاً ملائماً في الدورة الاولى قبل إفقاد الدورة الثانية نصابها.

وقد تشكّل مرحلة التحضير للجلسة الـ 12 مساحة زمنية مطلوبة لتهدئة النفوس والمواقف الاعلامية، قبل الانطلاق في مسار أقل توتراً بعد ارفضاض الجلسة.

والحركة الصاخبة الحاصلة قد تشكل ايضاً مَلئاً للوقت الضائع على المستوى الاقليمي تجاه لبنان، وهنا بيت القصيد. فيوم غد من المُفترض ان يصل وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن الى السعودية حيث سيلتقي كبار المسؤولين السعوديين. ومن بعده ستصل وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى السعودية ايضاً.

صحيح انّ الحركة الاميركية تركز في المرحلة الحالية على ملف الاتفاق النووي مع ايران، لكن احتمال التطرق الى الملف اللبناني ليس مستبعداً. امّا وزيرة الخارجية الفرنسية فستحمل مع ملفاتها الملف اللبناني اضافة الى ملفات المنطقة وعلى رأسها الملف الايراني. وخلال الايام الماضية، سجّل اول لقاء اميركي – ايراني رسمي ومباشر منذ انقلاب دونالد ترامب على الاتفاق النووي. فحصل لقاء بين المسؤول الاميركي عن ملف المفاوضات مع ايران روبرت مالي وممثل البعثة الايرانية في الامم المتحدة في نيويورك.

وهذه اشارة اضافية متقدمة على وجود تقدم كبير بين واشنطن وطهران في المفاوضات القائمة. كذلك فإن اعادة انتخاب اردوغان كرئيس لتركيا تفتح الباب امام دور تركي جديد داخل معادلات الشرق الاوسط، ولقد تحدث اردوغان نفسه في كلمته الرسمية الاولى بعد التجديد له عن تعزيز المكانة والقوة الاقليمية والدولية لبلاده. وجاء هذا الكلام بحضور وزراء خارجية السعودية ومصر والاردن والعراق. مع الاشارة الى مشروع الربط بين القطبين السنيين في المنطقة السعودية وتركيا من خلال شبكة اوتوسترادات وسكك حديد من خلال العراق.

كذلك، فإن مشروعا محوريا يجري طرحه حيال قطاع غزة، وهو ما سيكون من ضمن الملفات التي سيحملها معه الوزير الاميركي بلينكن. فخلال الاسابيع الماضية شنت اسرائيل وبشكل مباغت اعتداءً طالَ التركيبة العسكرية لحركة الجهاد الاسلامي او الفصيل الفلسطيني المحسوب بالكامل على ايران، فيما التزَمَت حركة حماس البقاء خارج الصراع وهي التي تشكل مساحة تلاقٍ بين ايران وقطر وتركيا. الواضح ان الاعتداء الاسرائيلي كان يمهّد لشيء ما.

اليوم، هنالك من يرسم خطة جديدة لغزة مقابل فتح ابواب المساعدات الاقتصادية والحياتية. ووفق ما هو مطروح فإنّ مشاورات تجري بين واشنطن والقاهرة والدوحة تقضي بالتحضير لهدنة طويلة الأمد، وترتكز على تزويد غزة بالكهرباء من مصر وإنشاء ميناء فرعي مخصص للتجارة البحرية، وإعادة تنشيط حركة الاقتصاد والتجارة. ولكن في المقابل إعطاء مصر دوراً مباشراً في القطاع عبر تواجد عسكري وامني مباشر، خصوصاً في المرفأ المزمع إنشاؤه بذريعة ضمان عدم استخدامه في تهريب الاسلحة.

وهذا ما سيعني مَنح الحركة المصرية صلاحيات امنية واسعة في غزة، وهو ما تعارضه حركة حماس.

وتدور اتصالات عبر القنوات الامنية بين القاهرة وطهران لتأمين الغطاء الاقليمي المطلوب، كما تأتي زيارة قياديّي حماس والجهاد الاسلامي الى القاهرة في هذا الاطار.

في موازاة ذلك، وعلى المستوى السوري، إمساك أقوى للجيش السوري بالحدود مع لبنان، لضبط عمليات تهريب المخدرات، واعادة تطبيق خطة عسكرية في درعا في جنوب سوريا ضمن الاطار نفسه.
وازاء كل هذا المشهد المعقد والمتداخل يصبح الملف اللبناني تفصيلاً، ولكن في الوقت نفسه لا يمكن اهماله، وتصبح ايضا محطة الاستحقاق الرئاسي مدخلاً لإعادة ترتيب السلطة اللبنانية بشكل متناسق مع اللوحة الكبيرة. البعض يقول ان الانقلاب في موقف النائب جبران باسيل والتمسك به جهاراً لا ينحصر فقط بحساسية وصول فرنجية الى قصر بعبدا ولا برفضه للاسلوب البارد لـ»حزب الله» تِجاهه، بل ايضاً بالتبدلات الاقليمية الهائلة الجاري الدَّفع باتجاهها. فأردوغان يتحدث عن ما وَصَفه «بقرن تركيا»، والاردن يعرض تعاونه العسكري والامني مع السلطات السورية، وهو تعاون يبدأ في ملف تهريب المخدرات ولكنه لا ينتهي هناك.

والهدنة الطويلة في غزة، اذا حصلَ وتَحقّقت رغم وجود مشاكل وعوائق اساسية وكبيرة، ستعني دَفع الساحل الشرقي للبحر المتوسط الى المزيد من التبريد بعد الترسيم البحري اللبناني مع اسرائيل. وهو ما يعني وجوب انتاج سلطة لبنانية جديدة لا تنتمي الى اي محور اقليمي، وترتكز في الوقت نفسه على أن تشكّل مساحة اطمئنان لكافة القوى السياسية في لبنان وعلى رأسها «حزب الله». وهو ما يجب ان تصوغه تفاهمات ثابتة بين «حزب الله» والاميركيين لم يَحِن وقتها بعد، ربما بسبب زحمة الملفات الاقليمية وانتظار تركيزها، لكن الاهم ان لبنان محكوم بتوازنات مكوناته، وهو ما يعني حماية هذا المفهوم على مستوى معادلة السلطة. وتكفي الاشارة الى بعض الاحتفالات في الشارع السني اللبناني، والتي واكبت فوز اردوغان. وهو تعبير نفسي عن الحاجة لمرجعية اقليمية قوية في مقابل المرجعية الايرانية القوية في المنطقة.

ad

وفي استطلاع لمؤسسة الباروميتر العربي ظهرَ انّ 28 % من اللبنانيين راضون عن ايران الى جانب 30 % عند الفلسطينيين و24 % عند العراقيين و21 % للاردنيين.

امّا نسبة الذين يعتبرونها تهديداً خطيراً، فجاءت كالآتي: 75 % العراق، 68 % الاردن، 59 % لبنان، و37 % فلسطين.

وكان استطلاع للرأي «للباروميتر العربي» ايضاً قد أورَد في وقت سابق بأنّ شعبية اردوغان في لبنان تصل الى حدود 25 %، أما في الاردن فتصل الى 54 %.

وهو مؤشّر إضافي بأنّ التوازن هو السبيل للاستقرار.

زر الذهاب إلى الأعلى