حوار “الحزب” ـ “التيار”: نقاش في “تنظيم” الاختلاف!

الجريدة- رندلى جبور

الجريدة- رندلى جبور

منذ أسبوعين تقريباً، همس لي مسؤول في “حزب الله” أن فترة هدوء آتية على العلاقة بين حزبه وبين “التيار الوطني الحر” ولن تكون قصيرة.

وبدأت ملامح هذا الهدوء تظهر في تخفيف حدّة اللهجة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحديث عن عودة الاتصالات المباشرة بين قيادات الطرفين، بعد ستة أشهر من المواقف السلبية المتبادلة.

وبعد لقاء أخير حصل في “ميرنا الشالوحي” في كانون الثاني الماضي، وزيارة قام بها وفد من “الوفاء للمقاومة” إلى الرابية في شباط، استؤنفت فعلاً اللقاءات بجلستين جمعتا مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا مع رئيس “التيار” النائب جبران باسيل.

الزمن الفاصل بين المواجهة والعودة كان جلسة 14 حزيران لانتخاب رئيس للجمهورية، والتي أثبتت أن الحزب لا يمكنه فرض مرشح مسيحي على المسيحيين، ولا الذهاب إلى حوار باسم فرنجية وحده.

وأثبتت في المقابل أن الإتيان برئيس، مستحيل من دون الحزب وحلفائه، وأنه لا يمكن لـ”التيار” الذهاب إلى حوار حاملاً “فيتو” قاطعاً معه.

وكانت الصيغة الوسط التي بدأ الحمل بها منذ منتصف حزيران، هي النقاش بقائمة تضم إسم فرنجية إلى جانب أسماء مرشحين محتملين آخرين، ومن ضمنهم أيضاً جهاد أزعور.

وبالتالي قَبِل الحزب بنقاش سلّة أسماء، وقَبِل التيار بأن يكون فرنجية من ضمن السلّة. فالملف الرئاسي بات داهماً، والطرفان يتمتّعان بالمسؤولية الكافية للقول: لن نبقى خلف متاريسنا، ولنتنازل قليلاً لنفتح كوّة في الجدار السميك، وليكن الحوار بداية لـ”تنظيم الاختلاف”.

قد لا تعني عودة الاتصالات الوصول إلى نتيجة، وذلك لعدة أسباب:

الأول، أن الحزب لا يزال متمسكاً بفرنجية ولو قبل بالنقاش في أسماء أخرى، و”التيار” لا يزال عند رفضه لمرشح الثنائي ولو قبل بإعادته إلى القائمة.

الثاني، أن كل المواقف تقريباً على حالها، في الداخل والخارج، باستثناء الموقف الفرنسي الذي انتقل من طرح “فرنجية – سلام” إلى طرح “الحوار” في محاولة للوصول إلى طرح جديد يحظى برضى الأكثرية.

الثالث، ان الحزب والتيار ليسا الفريقين الوحيدين المعنيين بالانتخابات، وبالتالي ما لم تشمل الاتصالات والتنازلات الجميع، سنبقى في مكاننا، وحتى الآن لا مؤشرات توحي بالانتقال من المكان الجامد الحالي.

هذا يقود إلى عدم التعويل على نتائج سريعة ومباشرة. ولكن ما يعوّل عليه، هو سقوط السقوف العالية التي تشكّل مدخلاً مهماً لفتح صفحة جديدة بعد استعصاء تام.

وإذا كان ما أعاد الطرفين المتفاهمين منذ العام 2006 إلى صالون واحد هو الأزمة الرئاسية وجلستها الاخيرة، إلا أن بينهما مادة كبيرة للنقاش.

أولها، الشراكة التي نكّستها مشاركة الحزب في حكومة نجيب ميقاتي غير المكتملة الصلاحيات، وشعور التيار أن فريقاً غير مسيحي يريد فرض المرشح الماروني فرضاً. وأعيد رفع الراية قليلاً برفض قيادة المقاومة المشاركة في تعيينات مالية وعسكرية داخل سرايا ميقاتي بغياب من يسكن في قصر بعبدا، وقبولها بمناقشة أسماء عدة تضاف إلى مرشحها.

ثانيها، بند بناء الدولة الذي يعتبر التيار أن الحزب لم يعمل من أجله بكل ما أوتي من قوة، مسايرةً لحليفه الرئيس نبيه بري، ولم يبذل الجهود الكافية لنجاح عهد الرئيس ميشال عون والوصول إلى الاصلاحات التي يحتاجها كل اللبنانيين.

وثالثها، “التفاهم” بذاته. وهنا يفصل الطرفان بين المستوى الاستراتيجي الذي يشمل فكرة المقاومة والعداء لإسرائيل والارهاب ورفض التقسيم والحفاظ على الدرع الواقي للبلد، وبين الاختلافات السياسية على ملفات بعينها مهما كانت أساسية، لناحية الميثاقية والشراكة والحضور والدور، وهي لا تخلف في الود الاستراتيجي قضية.

ومن هنا، يمكن للحزب والتيار أن يختلفا، وهما ليسا حزباً واحداً، ولكن يبقى السقف هو عدم الطلاق النهائي، لأننا محكومون بالعيش معاً، وبناء لبنان معاً، والحفاظ عليه وحمايته وحماية صيغته وتكريس منعته، ولا يمكن تحقيق ذلك بعزلة المكونات عن بعضها البعض، ولا بمواجهة طائفة لأخرى، ولا ببدع التقسيم والفدرلة والكانتونات.

ويبقى السقف كذلك هو الحوار مهما كانت المواقف متباعدة، لأن انقطاع الحوار يعني انقطاع آخر حبل أمل.

قد يغرّد البعض بعيداً في لحظات التوتر، وقد يستفيد البعض من الأزمات ليستنفر أسلحة الحقد والتحدي، ولكن هذا البعض يبقى استثناء ومحدود الساحة والمساحة. وأزمنة التوتر والتحدي هي من خارج الزمن الطبيعي لممارسة السياسة في بلد مركّب مثل لبنان.

الى الحوار در، على أن ينتقل من الطاولات الثنائية إلى طاولة موسعة تشمل كافة الافرقاء.

Exit mobile version