فيما تتوجه انظار الجميع الى شكل الحكومة وهوية رئيسها الذي يفترض ان يعلن اليوم ، والمتوقع ان يعود نجيب ميقاتي الى السراي الحكومي، اذا لم تأت اية كلمة سر خارجية غير متوقعة ، باعتبار ان الاتفاق الذي شمل رئاسة الجمهورية ضمن عودة ميقاتي، تكثر الاسئلة المشروعة حول شكل الحكومة المقبلة، التي من شأنها ان تواكب العهد الجديد وخطاب القسم، وكيف ستتوزع الوزارات على مختلف الفرقاء.
المعلومات الاكيدة بحسب كل المصادر بان الحكومة المرتقبة ستكون من 24 وزيرا، وتشير المعلومات الى ان الثنائي الشيعي حسم قبيل منحه اصواته للعماد عون ليصل عتبة الـ 99 صوتا، موضوع التوازنات داخل الحكومة، وعلى رأس هذه التوازنات ابقاء وزارة المال بيد الطائفة الشيعية، حتى ان البحث بالاسماء بدأ يدور في الكواليس، فمن سيختار رئيس مجلس النواب لتولي هذه الحقيبة، التي تعتبر بمثابة التوقيع الشيعي الثالث؟
لا يختلف اثنان على ان حقيبة المالية تستحوذ مع مطلع كل عهد، على نقاش سياسي حام، لاسيما عند بدء الحديث عن تأليف كل حكومة، انطلاقاً من الرغبة الشيعية المتمسكة بها، واعتبارها التوقيع الثالث في الجمهورية اللبنانية. يستطيع الشيعة عبر هذا التوقيع تجسيد شراكتهم في السلطة التنفيذية، فيما رئاسة السلطة التشريعية تؤمن لهم الشراكة في الحُكم وادارة الدولة.
والاكيد ، بحسب ما يقول مصدر موثوق بانه لم تكن رئاسة مجلس النواب لتبرز لولا الشخصيات الشيعية، التي فرضت حضورها في الموقع، وخصوصاً في مرحلة ما بعد الطائف، حيث استطاع رئيس المجلس نبيه بري ان يطبع حضوره وحنكته في الحياة العامة في لبنان، من ادارة الجلسات بإنضباطية “الحزم اللطيف”، إلى اقتطاع حصة الشيعة من كعكة النفوذ والسلطة في لبنان. وبقي رئيس حركة “امل” محور دينامية شيعية وطنية، تبرز الحاجة اليها في كل مرحلة، لتتجدّد الحاجة اللبنانية والعربية والدولية له، خصوصاً بعد مستجدات الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة، التي اكد مسار التفاوض خلالها على حكمة بري في حسم المسار باتجاه “خلاص لبنان” الذي اختاره على “الدمار الشامل”..
امّا وزراء المالية، فمقاربتها تختلف كلياً، وهي اشبه بمحرقة للوزراء الذين يتعاقبون عليها، خصوصاً بعدما ارتفعت اصوات تعتبر الذين تعاقبوا على تولي تلك الحقيبة، انهم كانوا شركاء في قضية الانهيارات المالية وخسارات المودعين.
وفي لمحة تاريخية، فقد تراوحت تجارب وزراء المالية بين المقتدرين سياسياً كالنائب علي حسن خليل، الذي طغى دوره السياسي الأساسي إلى جانب رئيس مجلس النواب، على تقنية العمل الوزاري، وبين الذين لم يتركوا بصمات واضحة في دورة الحياة المالية والاقتصادية في البلد، وكادت تطيح بتجارب الوزراء الشيعة في ملفات المال.
لكن تجربة ادارة مصرف لبنان بالإنابة لشخصية شيعية كوسيم منصوري اتت لتكون لافتة ومفاجئة، ومن خارج التوقعات، اذ كان اركان الشيعة انفسهم يتوقعون فشلاً له، فإستدعى ذلك صدور بيان تحذيري عن المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى، يطلب من النائب الاول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري عدم تولي مهام الحاكمية بالانابة.
لم يكن يتوقع احد نجاح منصوري، بعد تقاعد الحاكم السابق رياض سلامة، خصوصاً ان البلد كان يعاني من عدم استقرار نقدي، ونزيفا في الاحتياطي بالدولار من اموال المودعين، وتراكم ملفات الفساد التي فتحتها القاضية غادة عون، ومقاطعة الدول العربية والغربية للحاكم السابق بسبب تلك الملفات، لكن منصوري فاجأ الجميع بعدما نجحت الآلية التي وضعها في ضبط الاستقرار النقدي، وزيادة الاحتياطي، وتأمين رواتب الموظفين بالدولار، واعادة الثقة الدولية بمصرف لبنان المركزي، ما دفع العواصم الخليجية العربية والاميركية والأوروبية الى فتح ابوابها له، كما اشاد به صندوق النقد الدولي، حتى قيل ان اداء منصوري طغى على وزارة المال، بعدما بات مقصدا و موضع ثقة المؤسسات المالية الدولية.
تلك الآلية باتت اليوم معيار نجاح لسياسة اي حاكم جديد سيتم تعيينه، لأنه سيجد امامه خريطة طريق واضحة المعالم، لتثبيت الاستقرار وزيادة الاحتياطي، ومواصلة تأمين الرواتب بالدولار، وزيادة تلك الرواتب للموظفين التي حصلت في سياق الآلية النقدية نفسها، ووضع موازنة مالية للدولة انعكاساً لمسار تلك الآلية، بالتنسيق بين مصرف لبنان والحكومة عبر وزارة المال، أدت إلى وقف الهدر، و ترشيد الانفاق.
علما ان قضية المودعين تبقى هي العنوان الأساسي، وهي التي تشكل معيار نجاح عمل اي حكومة وعهد رئاسي، من هنا شكلت بنداً اساسياً في خطاب القسم لرئيس الجمهورية جوزاف عون. فهل تستطيع الحكومة الجديدة حل ملف المودعين، بما ينسجم مع خطاب العهد؟ ومن سيولي بري حقيبة المال؟
فوزارة المال ستشكل واجهة الاهتمام الداخلي والدولي، وترصدها بدقة العواصم المعنية بلبنان، خصوصاً في ظل رفض قوى سياسية تكريسها لمكوّن واحد، وهو ما يخضع لاختبار الثنائي الشيعي الذي فاوض قائد الجيش، في اجتماع اللحظة الأخيرة قبل انتخابه رئيساً للجمهورية، حيث عُقد اجتماع ما بين الجلستين بين عون والنائبين محمد رعد وعلي حسن خليل، ليطال النقاش بصورة اساسية حقيبة المالية ويحسم لمصلحة الثنائي.
مصادر موثوقة متابعة لجو التفاوض الذي واكب ربع الساعة الاخيرة، تكشف بان اسمين يدوران ببال رئيس مجلس النواب لمنحهما ثقته بتولي المالية، اولهما وسيم منصوري الذي نجح بمهامه في حاكمية المركزي ، والنائب والوزير السابق ياسين جابر.
وفي هذا السياق، يعلق مصدر بارز على ما يطرح بالكواليس فيشير الى انه اذا كان الاعتقاد العام ان نجاح منصوري يخوّله ان يتولى تلك الحقيبة، إلا ان معايير برّي هي الاساس وهي قد تكون مختلفة في مقاربته للتوزير، شارحا انها تقوم على اساس توزيع الأدوار، وفق حسابات انتخابية دقيقة. وكشف المصدر انه يتردّد ان رئيس حركة “امل” سيطرح اسم الوزير السابق ياسين جابر “لمراضاته”، بعد ابعاده عن مجلس النواب، وتسمية قريبه ناصر جابر بديلاً عنه في الانتخابات الماضية، مما أدى إلى مغادرة ياسين جابر لبنان للاقامة في بريطانيا.
علماً ان جابر كان يلعب دوراً ايجابياً اساسياً إلى جانب بري، في مقاربة ملفات اقتصادية ومالية، كونه احد كبار رجال الأعمال في لبنان، وعلى دراية تامة بكل عناوين الأزمات المالية وتفاصيلها وعقدها، ولديه رؤى اقتصادية كان يعبر عنها في حلقات تلفزيونية، وتربطه علاقات مع البريطانيين، وكان يتابع كل تفاصيل الاقتصاد اللبناني والعالمي، وينشط في عمل اللجان النيابية.