توقّف قلب حسين عن الخفقان ليُلاقي صديقَيه علي ومحمّد قاسم بعد أيام من استشهادهما، ليكون “شهيد الصداقة”.
لم تُقنع كلمات حسين صديقَيه علي ومحمّد لترك منزلهما في الجنوب بسبب حدّة القصف، كانا متمسّكَين بالأرض والمواشي، حبّهما للأرض جعلهما يرتقيان شهيدين على تراب الجنوب. وعلى غرار العشرات من أهالي حولا، اختار الشهيدان البقاء وعدم المغادرة، حتّى بعد تصاعد حدّة الاعتداءات التي طالت المدنيين.
في شباط، حزم حسين أمتعته وترك بلدته حولا بعد أن بقي فيها 10 أشهر، قرّر أن ينزل إلى بيروت بسبب سوء الأوضاع، وبقي “تفكيره مشغولاً بصديقَيه”. أكان يشعر أنّ الموت بات قريباً منهما؟ أم كان يخاف من هذه اللحظة الغادرة التي تسرقنا على غفلة؟
في 2 حزيران، قضى صديقاه بعد غارة على منزلهما في حولا، استشهدا وبقي قلب حسين معلّقاً بين الحياة والموت. يروي والده حمد مرتضى لـ”النهار” تفاصيل وجع ابنه حسين الذي عزّت عليه “الدني لما راحو اصحابو”، كانوا مثل الإخوة سوياً “آكلين شاربين نايمين”.
كانوا سوياً في الحياة وهم سوياً في الممات، حتّى إنّهم مدفونون جميعاً قرب بعضهم. أبى قلب حسين أن يخفق بعد استشهاد صديقَيه، لم يتحمّل هذه الفاجعة، كانت أقوى من قلبه الحنون والوفي فاستسلم للموت بهدوء.
قد تصح مقولة “من قهرو مات”، وهذا ما حصل مع حسين، لم يكن موت عمر ومحمّد سهلاً عليه وكأنّه حمل الكون كلّه على كتفيه في موتهما. “وعندما حانت ساعة الوداع يوم التشييع في 3 حزيران”، قال قلبي قلبي وسقط أرضاً”.
وبعد أن حمل نعش صديقه عليّ قاسم الذي كان صديقه المقرّب، وقع إلى جانبه وكأنّه يريد أن يلحق به. كان يصعب عليه فراقهما، شدّة تأثّره جعلته هشّاً من الداخل. خضع للإسعافات الأوّليّة ولكنّه رفض الذهاب إلى المستشفى كما أكّد والده حمد قبل أن ينتهي التشييع. بقي حسين بعدها يومين في مستشفى تبنين ولم تظهر الفحوصات أيّ مشكلة صحّية. كانت كل الفحوصات الطبية جيّدة ولكنّ حزنه كان يعيش في داخله ويمزّقه. خرج من المستشفى وحمل حزنه معه، لم يكن جسده يستوعب ثقل الموت، وبعد أيّام نام ولم يستيقظ.
وكما يشرح الخبراء والأطباء وفق موقع “ويب طب” أن الحالة العاطفية التي يدخل فيها الشخص عند الحزن والضغوط النفسية والجسدية تدفع الجسم إلى إفراز هرمونات التوتر في الدم، مثل: الأدرينالين، والنورأدرينالين، فتتداخل هذه الهرمونات بشكل موقت مع وظيفة القلب وتؤثر عليها، مما يؤدي إلى مجموعة من الحالات والأمراض القلبية.
آخر ما كتبه حسين في وداع صديقيه “تفوح رائحة المسك من الجنوب”، عبارة أرفقها مع فيديو لهما. لم يُخفِ مشاعره الموجعة التي كان يتخبّط فيها، اعترف لوالده “أنّه زعلان كتير، كيف صارت هيك؟ وليه؟ ما ردّو عليّ ونزلو”. ويضيف: “كان يحبّ الضيعة كتير، اليوم صار موجود فيها عا طول”.
يحمل حسين إجازتين جامعيّتين، تخرّج منذ سنة ولم يجد عملاً. بقي في بلدته حولا قبل أن يقرّر المجيء إلى بيروت بسبب الحرب. كانت لديه أحلام كثيرة والأهمّ كان لديه قلبٌ كبير، رحل حزناً وقهراً على صديقيه محمّد وعلي، وترك خلفه دموعاً تبكيه بحرقة، ودرساً لا ينُسى في الوفاء والصداقة.