تأسس حزب “نوعام”، الشريك في ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو، في العام 2019، وبعد أن توصل رئيس ييشيفاة (المعهد الديني اليهودي) “هار هَمور” في القدس، الحاخام تسفي طاو، إلى استنتاج أنه حان الوقت لدخول الحلبة السياسية وإحداث “تغيير عميق في طبيعة دولة إسرائيل”.
ويعتبر “نوعام” أكثر حزب محافظ في إسرائيل. وخاض الانتخابات الأخير ضمن قائمة الصهيونية الدينية، التي انقسمت بعد الانتخابات وخرج منها حزبا “عوتسما يهوديت” و”نوعام”، الممثل بعضو كنيست واحد، هو أفيغدور (آفي) ماعوز، ويتولى في الحكومة الحالية منصب نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة.
ويخطط ماعوز أن يقيم من خلال هذا المنصب “سلطة أمن الهوية”، بحيث تكون “سلطة رسمية، مثل سلطة الحدائق والطبيعة أو في إطار وزارة”، وأن تكون هذه السلطة “مقرا لكشف وتحييد تأثيرات أجنبية على دولة إسرائيل”. وبحسبه، “يجب الدفاع عن الشعب وعن دولتنا من تغلغل هيئات من دول أجنبية وصناديق (تمويل) أجنبية. وكان سيسرني جدا أن تكون لدي قوة كافية من أجل الحصول على وزارة التربية والتعليم، من أجل تنظيف جهاز التعليم من جميع التأثيرات الأجنبية وإضافة التربية اليهودية، التقاليد، التراث والصهيونية إلى الجهاز”.
ويسعى ماعوز إلى تطبيق أفكار حاخامه طاو من خلال منصبه الحكومي. ويعتبر طاو أن “الواقع المحسوس مضلل، فيما واقع آخر، إلهي وخفي، هو الحقيقي”، وأن حاخامات متميزين قلائل بإمكانهم “فك رموز خريطة الخلاص”. وينظر تلاميذ طاو أنه استمرار مباشر للحاخام تسفي يهودا كوك ووالده الحاخام أبراهام يتسحاق كوك، وهو أحد مؤسسي تيار الصهيونية الدينية. وفقا لمقال نشره الباحث في الفلسفة اليهودية في جامعة بن غوريون في بئر السبع، موردي ميلر، في صحيفة “هآرتس” اليوم، الجمعة.
ووفقا لعقيدة طاو، فإن الخلاص يكون على مرحلتين، والمرحلة الأولى مادية وضرورية وفي جوهرها تأسيس الكيان القومي، بينما المرحلة الثانية هي مرحلة القدسية التي يتم فيها إدخال الروح، أي الدين، إلى جسد الدولة. ويتوقع أن يعترف العلمانيون في هذه المرحلة بوجود “الروح الجماعية” وأن يطلبوا توحيد الدين والدولة.
ويسعى ماعوز، المولود في مدينة حيفا في العام 1956، إلى تطبيق عقيدة حاخامه طاو. وكان قد عمل مرشدا في منظمة “أبناء عكيفا” الصعيونية الدينية، وخدم في الجيش الإسرائيلي، وكان من المبادرين لإقامة مستوطنة “ميغدال عوز” في منطقة بيت لحم. ويسكن ماعوز حاليا في البؤرة الاستيطانية في بلدة سلوان في القدس المحتلة. ونشط في الماضي في الجمعيتين الاستيطانيتين “عطيرت كوهانيم” وإلعاد”. وقال إنه نشط “من أجل تهويد الجليل والنقب وإقامة مستوطنات كثيرة” في الضفة الغربية”.
وشارك ماعوز، في الثمانينيات، في أنشطة دعت لإطلاق سراح ناشطين صهاينة في الاتحاد السوفييتي، وبينهم نتان شيرانسكي. وخلال ذلك التقى بمندوب إسرائيل في الأمم المتحدة حينها، بنيامين نتنياهو، وبقي منذئذ مواليا لنتنياهو. وعندما عُيّن شيرانسكي وزيرا في حكومتي إيهود باراك وأريئيل شارون، في بداية سنوات الألفين، هين ماعوز مديرا عاما لوزارتي الداخلية والبناء والإسكان.
وينظر مؤيدو “نوعام” إلى نتنياهو على أنه يمثل الشعب “السليم صحيا” الذي يتوق لليهودية، ويعتبرون أن محاكمته هي صراع “النجاسة” ضد المقدس و”وحش شيطاني” ضد “اختيار الرب”. ويربط ماعوز بين “حياكة ملفات ضد نتنياهو”، وبين “محاولة تفكيك العائلة واستهداف قدسية الحائط المبكى”.
وتعكس أقوال ماعوز حول “تنظيف جهاز التعليم”، مطالبة طاو من تلاميذه “برصد قوى النجاسة المسيحية وممثليها – الأكاديميا، وسائل الإعلام، التربية والتعليم، والقضاء – والابتعاد عنهم”. والتقى معظم الإسرائيليين بطاو وتلاميذه خلال خدمتهم العسكرية.
ووفقا للباحث ميلر، فإن محاربة طاو وماعوز للمثليين مرتبط “بتخوف أكبر بكثير. وهما يعتبران أنه في حال طمس تمييز المثليين الذي يعتبر طبيعيا، فإنه بالضرورة سيتم طمس التمييز بين اليهودي وغير اليهودي. ولاحقا قد تثار شكوك حيال حق اليهود في البلاد”.
احتجاج نساء يهوديات متدينات ضد الحاخام تاو واتهامه باعتداء جنسي، تشرين الثاني/نوفمبر الماضي (Getty Images)
ويعتبر ماعوز أنه تم لجم تقدم الخلاص، وأن هذا “تحول غريب جدا، ويصعب عدم وصفه بأنه لغز” وفي إطاره “تفقد دولة إسرائيل صبغتها اليهودية”. وهو يعزو هذا التراجع إلى العدو الأكبر للخلاص، وهو “ما بعد الحداثة والتقدم، ثمرة العالم الغربي، الذي يستهدف يهودية إسرائيل بواسطة وكلاء تغيير مدمرين للغاية، وبينهم المنظمات اليسارية، ومنظمات (التيارين اليهوديين) الإصلاحي والمحافظ، والأكاديميا الإسرائيلية، وهذا كله بتشجيع من وسائل الإعلام”.
ويكرر طاو وتلاميذه في خطاباتهم وكتاباتهم أنه في السنوات الأخيرة حدث أمر كبير وأن “شعب إسرائيل يواجه كارثة روحانية”، يصفونها بمصطلحات مثل “حريق وحرب وفقدان”.
وقال ماعوز إن “ما بعد الحداثة وحركة التقدم العالمية جاءا من أجل طمس الهويات. هوية العائلة والهوية القومية، وبعد ذلك سيصلون لهويتنا القومية اليهودية. ويعلمون أولادنا على طمس الهويات وإدخال الشك إلى قلوبهم. وسيشككون عندما يكبروا: ما هو حقنا على البلاد؟ هل لدينا حق على البلاد؟ من قال إن السردية اليهودية صحيحة؟ وربما السردية الفلسطينية أيضا؟ إنهم يدخلون هذا إلى جهاز التعليم”.