جيش جديد واقتصاد مفتوح: «الجولاني» يرسم مستقبل سوريا… منفرداً
كتبت جريدة “الأخبار”:
وسط حالة من القبول الدولي للأوضاع الحالية في سوريا، بعد فرار بشار الأسد، ووصول «هيئة تحرير الشام» التي يقودها أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني) إلى السلطة، بدأ الشرع يرسم ملامح مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والأمني، في وقت وصل فيه المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى دمشق، لإجراء مباحثات حول العملية السياسية الضبابية بعد اختفاء أحد أطرافها، وهو نظام الأسد. ومن جهته، أطلق الشرع، في سلسلة لقاءات صحافية أجراها مع وسائل إعلام محلية وعربية في مبنى رئاسة مجلس الوزراء، عدداً من التصريحات حول مستقبل سوريا، تضمّنت بعضها رسائل طمأنة لدول الجوار، وللشعب السوري. ودار أبرز تصريحات زعيم «هيئة تحرير الشام»، وقائد «إدارة العمليات العسكرية»، في فلك الوضع الاقتصادي والمعيشي المنهك في سوريا، في ظل عدم وجود أرصدة من العملات الأجنبية في المصرف المركزي، معتبراً أن «إصلاح الأمر يحتاج إلى وقت طويل»، وداعياً إلى «الصبر»، ومنح أولوية لإعادة تشغيل المؤسسات الحكومية في الفترة الحالية، ريثما يتم إجراء تعديلات للدستور، وإجراء انتخابات، من دون أن يقدّم أي توضيحات حول الآلية التي سيتم من خلالها ذلك. ورافقت تصريحات الشرع التي تحدّث خلالها عن ضرورة التخلي عن «عقلية الثورة» والانتقال إلى الفكر المؤسساتي لإدارة البلاد، رسائل «طمأنة» عديدة حول مستقبل البلاد في ظل «وجود خطة لذلك»، سواء لناحية مكافحة المخدّرات، أو مواجهة التحديات الأمنية، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن الاقتصاد السوري سيكون «مفتوحاً». كما أعلن الشرع أن الفصائل سيتم حلها ودمجها ضمن هيكلية واحدة، بالإضافة إلى وجود خطط تتعلق بالجيش السوري الذي سيكون احترافياً ويضم «متطوعين» (في إشارة إلى عناصر وضباط محترفين يلتزمون العمل العسكري)، بالإضافة إلى إمكانية إجراء دورات لمدة 15 أو 20 يوماً وفق مبدأ الخدمة الإلزامية لدعوة الشعب إلى الالتحاق بالجيش في حالة «التعبئة العامة»، وهي أمور رأى البعض أنها اختيارات سلطة الأمر الواقع، وليست منبثقة عن اختيارات الشعب السوري.
بدأت دول عديدة كانت على قطيعة مع دمشق إعادة فتح سفاراتها
وفي تصريحات تتوافق مع التوجهات التركية الرامية إلى القضاء على الهيكلية المسلحة للأكراد («قوات سوريا الديمقراطية» التي يقودها «حزب الاتحاد الديمقراطي» الذي تعتبره أنقرة امتداداً لـ»حزب العمال الكردستاني»)، أشار الشرع إلى أن هناك فرقاً بين المجتمع الكردي وما سماه تنظيم «بي كي كي»، كما شدّد على ضرورة محاسبة «المجرمين» لتحقيق «العدالة الانتقالية». وعن العلاقات مع روسيا التي سحبت العديد من جنودها من مختلف الأراضي السورية، وركّزت حضورها في قاعدتي «حميميم» الجوية وطرطوس البحرية، قال الشرع إن الإدارة السورية الجديدة أعطت روسيا فرصة لإعادة النظر في علاقتها مع الشعب السوري، كما أنها تجري نقاشاً مع بريطانيا لإعادة تمثيلها في دمشق. وأضاف أن «الحكومة الانتقالية تتواصل مع سفارات غربية وليست لدينا عداوات مع المجتمع الإيراني».
من جهته، اعتبر المبعوث الأممي إلى سوريا أنه من الضروري إطلاق العملية السياسية التي تشمل جميع السوريين. وقال في تصريحات صحافية من دمشق، إن «من الواضح أن هذه العملية يجب أن يقودها السوريون أنفسهم، فهي مسؤولية سورية، ونأمل أن يحصلوا على المساعدة». وتابع أن «التحدي يتمثل بإعادة بناء مؤسسات الدولة وتفعيلها، إذ يعتبر تقديم الخدمات، وإرساء القانون والنظام، وتوفير الأمن، أموراً بالغة الأهمية». وأضاف: «نحن جميعاً نعلم أن سوريا مرّت بأزمة إنسانية هائلة، لذا يتعيّن علينا التأكد من حصول سوريا على مزيد من المساعدات الإنسانية الفورية للشعب السوري، ولجميع اللاجئين الذين يرغبون في العودة»، معتبراً «أن المسألة كلها تتعلق بالتعافي الاقتصادي، ما يتطلب حلاً سريعاً لهذه المشكلة»، معبّراً عن أمله في أن يرى نهاية سريعة للعقوبات، «حتى تتسنى رؤية حشد من الناس حول إعادة بناء سوريا من جديد»، وفق تعبيره.
وتأتي زيارة بيدرسن إلى سوريا بعد يوم واحد فقط من عقد «لجنة الاتصال العربية» (وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام لجامعة الدول العربية) اجتماعاً في الأردن، شارك فيه أيضاً وزراء خارجية الولايات المتحدة وتركيا والإمارات والبحرين وقطر، ووزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، وممثلون عن بريطانيا وألمانيا والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية. وفي بيان مطوّل، خلص هؤلاء إلى دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية – سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وترعاها الأمم المتحدة و»جامعة الدول العربية»، ووفق قرار مجلس الأمن 2254، في ما يمكن اعتباره قبولاً دولياً بالوضع السوري القائم الآن، خصوصاً مع التصريحات المطمئنة التي أطلقها الشرع، وحالة الانضباط التي أبداها مسلحو «إدارة العمليات العسكرية» الذين دخلوا المدن.
ومع سقوط نظام الأسد، بدأت دول عديدة كانت على قطيعة مع دمشق إعادة فتح سفاراتها، بدءاً من تركيا، التي تقود المشهد في سوريا، مروراً بقطر، وليس انتهاءً بفرنسا التي أعلن وزير خارجيتها، جان نويل بارو، إرسال وفد دبلوماسي إلى دمشق لإجراء لقاءات مع السلطات التي تحكم البلاد حالياً. وقال بارو في تصريحات لإذاعة «فرانس إنتر»، إن البعثة المكوّنة من أربعة دبلوماسيين ستعمل على تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي: استعادة الممتلكات الفرنسية في سوريا، وإقامة اتصالات أولية مع السلطات الجديدة، وتقييم الاحتياجات الإنسانية العاجلة للسكان، حسبما نقلت وكالة «فرانس برس». وأوضح الوزير أن الوفد سيبحث أيضاً في مدى تطبيق السلطات الجديدة على الأرض للتصريحات «المشجّعة نسبياً» التي أطلقتها، والتي دعت إلى التهدئة وظهرت بمظهر غير متورط في انتهاكات حقوق الإنسان، على حد تعبيره.
بدورها، وبالتزامن مع احتفالها بسقوط النظام السوري، والتصريحات العديدة التي أطلقها رئيسها رجب طيب إردوغان، حول «براعة» سياسته، أعلنت تركيا، على لسان وزير دفاعها يشار غولر، استعدادها للتعاون العسكري مع القيادة السورية الجديدة، في حال تلقّت طلباً رسمياً بذلك، لافتاً إلى تغيّر المناخ السياسي في سوريا، ومعتبراً أنه «على الجميع قبول الواقع الجديد» هناك. وحول الوجود العسكري التركي في سوريا، قال غولر إن هذا الوجود «يهدف إلى منع تقسيم البلاد، والحيلولة دون إنشاء ممر إرهابي، وضمان سلامة الأراضي السورية ووحدتها». وأضاف أن «أي نقاش مستقبلي مع القيادة الجديدة يجب أن يركّز على استيفاء هذه الشروط».