زاهر أبو حمدة
صدر قبل ثلاثة أشهر كتاب “السياسي الأخير: داخل البيت الأبيض لجو بايدن والنضال من أجل مستقبل أميركا” للصحافي فرانكلين فوير. يكشف الكتاب الكثير من خفايا حقبة الرئيس بايدن الرئاسية، وما حصل فيها من انتشار “كوفيد 19” والانسحاب من أفغانستان والصراع في أوكرانيا والعلاقات مع روسيا وسياساته الخارجية. لكن ما يلفت الانتباه، أن بايدن وجه كبار مستشاريه إلى “خنق” رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بالحب من أجل ضمان وقف إطلاق النار بسرعة خلال العدوان على غزة في أيار 2021، والذي استمر 11 يوماً وحينها كانت المعركة “سيف القدس” بسبب أحداث الشيخ جراح ومحاولات “أسرلة” المسجد الأقصى.
وتحت عنوان “عانق بيبي بشدة”، أوضح الكاتب أن “بايدن تعلم من تجاربه السابقة مع نتنياهو أن انتقاده لن يؤدي إلا إلى دفع رئيس الوزراء بعيداً”، مستذكراً إحدى المكالمات الهاتفية بين الطرفين بعد أن قصفت إسرائيل مبنى مكوناً من 12 طابقاً في غزة يضم مكاتب وكالة “أسوشيتد برس” الأميركية وقناة “الجزيرة” القطرية. وقال إنه “بدلاً من مهاجمة نتنياهو بسبب الغارة الجوية، طلب بايدن من رئيس الوزراء شرح استراتيجية إسرائيل في الحرب”، مشيراً إلى أن “بايدن أمضى أكثر من ساعة في إجراء تحقيقه بروح الصداقة، لكنه كان يحاول أيضاً كشف أوجه القصور في تفكير بيبي”. وذكر الكاتب أن “نتنياهو أثناء محاولته شرح استراتيجيته، اعترف عن غير قصد بأنه ليس لديه هدف محدد من الغارات الجوية المستمرة… لكن بايدن بقي صامتاً”، مبيناً أن “وزير الأمن آنذاك بيني غانتس أبلغ المسؤولين الأميركيين في وقت لاحق خلال الحرب، أن الجيش الاسرائيلي لم تعد لديه أهداف في غزة”. وأضاف: “عند هذه النقطة، بدأ بايدن بالتعبير عن مخاوفه بصورة أكثر وضوحاً لنتنياهو”. وكشف أن “بايدن قال خلال مكالمتهما الهاتفية الرابعة في 19 أيار بعد إصرار نتنياهو على تمديد الحرب: يا رجل، لقد خرجنا عن المسار هنا… لقد انتهى الأمر. ووافق نتنياهو على وقف إطلاق النار بعد يومين”.
وفقاً لهذه الرواية، يتضح أن جيش الاحتلال يضغط على الحكومة بطرق ملتوية لوقف القتال. وهذا ما يتكرر حالياً، بحيث أجرى الجيش تحقيقاً سريعاً وسرّبه الى وسائل الاعلام بأن الأسرى الثلاثة قتلوا بنيران الجيش بالخطأ في حي الشجاعية، وقبل قتلهم لوحوا بأعلام بيض وقالوا بالعبرية “أنقذونا”. هكذا يريد رئيس الأركان هرتسي هاليفي، أن يضغط على مجلس الحرب عبر أهالي الأسرى. وبالتالي تظاهرات ذوي الأسرى تكون عاملاً ضاغطاً لوقف إطلاق النار. في مرات كثيرة كي تنزل عن الشجرة تصنع حبلاً من أغصان شجرتك. لكن نتنياهو، لا يفكر في وقف الحرب، فلجأ الى ذوي القتلى ليقول إن رسالة وصلته منهم تحث الحكومة على مواصلة القتال.
كباش سياسي داخلي يحتاج إلى قرار بعد كلام بايدن عن الوقت والعبء الأخلاقي وأرقام الضحايا المدنيين في غزة، من دون تحقق أي انجاز ميداني. لذلك كشف الجيش صوراً لنفق هجومي للمقاومة بالقرب من معبر إيريز، كرسالة انجاز وأنه استطاع بالفيديو “تطهير الأرض” وبالتالي يمكن تسويقه عند الجمهور الاسرائيلي أن العملية العسكرية حققت أهدافها.
مما لا شك فيه، أن إدارة بايدن تفتش عن حل سياسي قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، إضافة إلى أن عوامل كثيرة يمكن أن تجر المنطقة إلى صراع كبير، في مقدمها ما يحصل في البحر الأحمر واستهداف جماعة “أنصار الله” السفن المتوجهة إلى موانئ الاحتلال. وعليه، بدأ الضغط الخارجي والداخلي، ولم يعد أمام الجيش أهداف ميدانية، وكلما حاول التقدم أكثر زادت خسائره البشرية والمادية. وأمام الصراع بين السياسيين والجنرالات ستكون الكلمة الأخيرة للجيش. والجميع الآن بدأ يعد تنازلياً لتوقيت وقف المذبحة في غزة.