جوز الهند.. فوائد مذهلة للصحة والجمال
تُعد جوزة الهند من أبرز الثمار الاستوائية التي اكتسبت شهرة عالمية بفضل فوائدها الصحية المتنوعة واستخداماتها المتعددة. تجمع بين طعمها الغني وقيمتها الغذائية العالية، مما يجعلها عنصراً أساسياً في النظام الغذائي والصحي للكثير من الشعوب. لذا، من المهم تسليط الضوء على مكانتها المثبتة علميا، بالإضافة الى دورها الاقتصادي والبيئي والصناعي، استنادا الى الدراسات التي تؤكد شأنها.
الزراعة والأهمية
يؤكد الخبير الزراعي يحيى لـ “الديار” أن “جوز الهند يُعد من المحاصيل الواعدة التي يمكن أن تُحدث تحولًا إيجابياً في القطاع الزراعي اللبناني. ورغم أن زراعته ليست منتشرة بشكل واسع على الصعيد المحلي حاليا، إلا أن الظروف المناخية في المناطق الساحلية قد توفر بيئة مناسبة لشتله. لذلك، يعتبر من الغلل الاستوائية التي تتطلب درجات حرارة دافئة ورطوبة عالية، مما يجعل بعض المناطق اللبنانية، مثل ساحل جبل لبنان وطرابلس، مناطق ملائمة لغرسه. فالمناخ فيها يمكن أن يحقق إنتاجية جيدة من الثمار إذا ما تم تطبيق الأساليب الزراعية الحديثة”.
مصدر دخل لهذه الفئة
في سياق متصل، يقف العم أبو ميلاد عند مدخل منطقة برج حمود، يجر عربة مليئة بحبات جوز الهند. يفرغ العربة قليلاً ليبدأ في تقشير بعض الحبات، إذ يحتاج هذا النوع من الفواكه إلى نزع قشرتها الخارجية القاسية، وهي عملية تتطلب بعض الجهد. يقوم العم أبو ميلاد بتحضيرها بعناية تمهيدًا لبيعها للمارة أو الزبائن الذين يتوافدون إلى المنطقة، خاصة في هذا الموسم الذي يشهد ازدحاماً كبيراً بسبب أعياد الميلاد ورأس السنة.
لكن ما يميز هذا الرجل هو سماحته وتواضعه، وهما ما دفعا “الديار” إلى الاقتراب منه والدردشة معه. كان أحد المارة قد اقترب منه وقال: “أريد شراء حبة جوز الهند، لكن ليس لدي سوى 250 ألف ليرة”. فرد العم أبو ميلاد بابتسامة هادئة: “إن أردت، خذها ببلاش، معقول قِلَّك لاء؟”.
يقول العم أبو ميلاد لـ “الديار”: “لا أسعى إلى بيع السلع الفاخرة، بل أبحث عن رزق يومي من حبات جوز الهند. وابيع الحبة بـ 300 ألف ليرة لبنانية، وهو سعر مناسب بالنظر إلى موسم الأعياد وازدحام الأسواق”.
على الرغم من تقدمه في العمر، يصر العم أبو ميلاد على التنقل بين الزبائن، ويسحب العربة بيديه المتعبتين، ويقف لساعات طويلة. لا يعمل فقط بهدف جمع المال لنفسه، بل أيضا لإعالة أسرته. إنه نموذج للجد والاجتهاد، ويسعى بكل قوة كي يساهم في دعم عائلته في هذا الوقت العصيب.
من الناحية الاقتصادية، يرى الخبير الزراعي يحيى أن “زراعة جوز الهند يمكن أن تفتح آفاقاً جديدة للمزارعين اللبنانيين. فهي لا تُستخدم فقط في الصناعات الغذائية، بل أيضا في الصناعات البيئية مثل إنتاج الألياف. لذا، قد يكون مصدر دخل إضافي للمزارعين، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني من قلة فرص العمل في الزراعة التقليدية، مشيرا الى انه رغم هذه الاحتمالات، يواجه مزارعوه في لبنان تحديات تتعلق بتوفير ظروف النمو المثلى، مثل المياه العذبة والصرف الصحي الجيد. كما يستلزم التوسع في زراعته إلى دعم تقني ومادي من الحكومة والقطاع الخاص”.
اما في ما يتعلق بالصناعات الغذائية، فيقول: “تعتبر هذه الثمرة من المكونات الأساسية في صناعة الأغذية، بدءا من زيتها الذي يُستخدم في الطهي وإنتاج مستحضرات التجميل، وصولًا إلى الحليب النباتي الذي يُستخرج منها ويُعد خيارا مثاليا للنباتيين. كما تُستعمل الجوزة في اعداد الدقيق والحلويات مثل الكعك والمربيات، فضلاً عن مكونات الحساء والعصائر. ومن المتوقع أن تستمر الصناعات الغذائية في الاستفادة منها بفضل نمو الطلب على المنتجات الطبيعية والصحية”.
ويستكمل “لم تقتصر فوائد جوز الهند على الصناعات الغذائية فقط، بل شملت أيضا قطاع الصناعات البيئية. اذ تدخل ألياف جوز الهند في إنتاج الحبال، الفرش، والسجاد، فضلاً عن توظيفها في صناعة المراتب ومقاعد السيارات. هذه الألياف، التي تُعتبر صديقة للبيئة، تُحسن من فعالية المواد القابلة للتحلل في مختلف الصناعات، مما يُساهم في الحفاظ على البيئة وتقليل الاعتماد على المواد البلاستيكية”.
ماذا عن الطاقة المتجددة؟ يجيب “في موسم الشتاء، لقشره حصة الأسد، كونه مصدراً واعداً للطاقة المتجددة، حيث يُعتمد عليه كوقود حيوي في العديد من البلدان. يتم تحويله إلى فحم نباتي يُستخدم في توليد الطاقة الكهربائية، مما يُساهم في تقليل التعويل على الوقود الأحفوري ويُساعد في تأمين بدائل مستدامة للطاقة. تُعد هذه العملية خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة البيئية وتخفيف آثار التغيرات المناخية”.
كنز غذائي غني بالعناصر الأساسية
من جانبها، توضح اختصاصية التغذية كاتيا قانصو لـ “الديار” ان “جوزة الهند تكتنز مجموعة متنوعة من الفيتامينات والمعادن الضرورية لصحة الإنسان. فهي ليست مجرد ثمرة تُستخدم في الطهي أو المشروبات، بل تُعتبر مصدرا غذائيا متكاملاً يُلبي احتياجات الجسم من العناصر الغذائية. وتتضمن فيتامين (C) الذي يُعزز المناعة ويحمي الجسم من الالتهابات، وفيتامينات المجموعة B التي تلعب دورا محورياً في تحفيز وظائف الأعصاب وإنتاج الطاقة، وتشمل الثيامين (B1)، والنياسين (B3)، والبيريدوكسين (B6). بالإضافة الى المعادن الأساسية التي تحتوي على البوتاسيوم الذي يُساهم في خفض ضغط الدم، المغنيسيوم لدعم صحة العظام، الحديد لمحاربة فقر الدم، إضافةً إلى الفوسفور والزنك اللذين يُحسّنان صحة البشرة والشعر”.
الدهون الصحية: سر الشبع والطاقة
وتضيف “تُعد جوزة الهند مصدرًا غنيًا بالدهون الصحية متوسطة السلسلة (MCTs)، والتي تتميز بسهولة امتصاصها وتحويلها إلى طاقة. تُساهم هذه الدهون في تحسين التمثيل الغذائي، وتعزيز الشعور بالشبع، ما يجعلها مثالية لإدارة الوزن. كما أن لها فوائد محتملة في تحسين صحة الدماغ ودعم وظائفه”.
ما اهمية ماء جوز الهند؟ تجيب “يعتبر هذا المشروب الطبيعي سائلًا ثرياً بالعناصر المغذية والإلكتروليتات، مما يجعله مثالياً لتعويض السوائل المفقودة بعد التمارين الرياضية. كما أنه يساعد على خفض ضغط الدم بفضل محتواه العالي من البوتاسيوم، وتحسين الهضم نظرا لاحتوائه على إنزيمات طبيعية تسهم في تعزيز صحة الجهاز الهضمي. كما يدعم صحة القلب ويساهم بذلك في تنظيم نبضات القلب وتقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب”.
دراسات علمية
وتتطرق قانصو الى “العديد من الدراسات العلمية التي أُجريت حول فوائد جوز الهند، وكشفت نتائجها عن دوره المهم في تعزيز الصحة. على سبيل المثال: “أظهرت دراسة نُشرت في مجلة التغذية السريرية أن ماء جوز الهند يُساعد في خفض ضغط الدم بفضل محتواه العالي من البوتاسيوم”.
وبينت دراسة أخرى أن “الدهون الصحية (MCTs) الموجودة في زيت جوز الهند تُحسن وظائف الدماغ، خاصة لدى مرضى الزهايمر”. وتشرح دراسة هندية، أن “مستخلصات جوز الهند تحتوي على مضادات أكسدة قوية تقلل من الالتهابات المزمنة المرتبطة بأمراض مثل السكري وأمراض القلب”.
وتختم حديثها بالتنويه الى ان “جوزة الهند ليست مجرد ثمرة استوائية تُعطي مذاقا لذيذا ومياهاً منعشة، بل هي كنز غذائي وصحي وبيئي يمكن أن يؤدي دورا محوريا في تعزيز حياة الأفراد والمجتمعات، سواء من خلال الفوائد الصحية المثبتة علمياً، أو مساهمتها في الاستدامة البيئية، فإن جوزة الهند تستحق مكانة بارزة في كل منزل”.
ندى عبد الرزاق- الديار