لم يزل عداد الضحايا المدنيين في غزة يسجل أرقامًا قياسية في حرب مسعورة على شعب صمد أمام آلة القتل الإسرائيلية، والحديث عن أي مفاوضات ينسفها استمرار المجازر بحق العزل في القطاع المحاصر الذي يفتك بأهله الأمراض و الأوبئة والمجاعة الى جانب القذائف والصواريخ والتهجير.
وفي خضم المعركة الدائرة على مساحة 365 كيلومتر مربع، أعطت محكمة العدل الدولية بطاقة صفراء لكيان الإسرائيلي، من خلال فرض تدابير مؤقتة لمنع ارتكاب الابادة الجماعية ضد العزل في غزة، بالتوازي مع رفض طلب جنوب أفريقيا بإلزام إسرائيل بوقف دائم لإطلاق النار، وهذا ما وضع عدالة المحكمة أمام تشكيك الأحرار في العالم، إلا أن الفارق الوحيد هو أن إسرائيل وللمرة الأولى في تاريخها تقف أمام هيئة اتهامية دولية في المجازر التي قامت بها أو أشرفت عليها.
وفي هذا السياق يستبعد إنهاء الحرب في وقت قصير خاصة مع دخول أسلحة جديدة على الميدان، مما يعني فشل المفاوضات والتسوية بين إسرائيل التي لا تمتلك أية ورقة في يدها توحي بالنصر أو تحقيق بنك أهدافها في معركة تخطت الـ 100 يوم وأكثر، وبين دول المحور المستمرة في تسجيل أهداف مميزة ومربحة إن كان على المستوى السياسي أم العسكري و بأساليب مختلفة عن الماضي، وهي من العيار الثقيل لأسلحة ميدانية يحافظ فيها على رقعة الاشتباكات على المستوى الجغرافي المتعارف عليه منذ بدء عملية السابع من تشرين وحتى اليوم، ولكن الفارق هو في تسجيل نقاط انتصار من خلال النتائج المتعددة الي يكتسبها محور المقاومة، فأثر الأسلحة الثقيلة واستعمالها في الميدان بطريقة تكتيكية ودقيقة على أهداف استراتيجية محددة، هو في سبيل فرض حزام خانق على إسرائيل، وتداعياته تزداد يوما بعد يوم.
وفي هذا الإطار برزت نتائج المقاومة على الصعد كافة، فصمود غزة الأسطوري هدد البنية السياسية الداخلية لإسرائيل، عقب الخلافات بين أركان الدولة لكيفية إنهاء الحرب والخروج من المستنقع، أما الجبهة اللبنانية وأدت إلى فرار المستوطنين وإخلاء شمال الأراضي المحتلة، والجبهة اليمنية أدت إلى حصار الكيان الاسرائيلي على المستوى الإسرائيلي وابقاء الموانئ الإسرائيلية خالية من السفن والبضائع، بينما الجبهة العراقية فأدت إلى بدء الحديث عن جدولة لخروج قوات التحالف الدولية من العراق.
وفي ظل هذا المشهد العابر للقارات يظهر صراع خفي بين الدول والأقاليم، وبات الانقسام ظاهر في معركة عنوانها الأساس الحق والباطل، فيما تمظهر الباطل من خلال دولة العدو والتي برزت كدولة معتدية ، مما جعل دولًا متعددة تتخذ قرارات وإن كانت خجولة تجاه العدوان على غزة، وذلك خوفًا من نتائج انتخابات مقبلة، والتي ظهرت من خلال اليقظة التي حلت على مجتمعات الدول متأثرة بمشاهد قتل الأطفال والنساء والمجاعة التي باتت هدفا رئيسيا للكيان في سبيل إخضاع أهل غزة وإبعادهم عن المقاومة. إضافة إلى منع دخول المواد الغذائية والطبية الى القطاع، بالتواطؤ مع دولة عربية شعبها يكن العداء المطلق لإسرائيل رغم اتفاقات التطبيع، وهو يستذكر دائمًا الراحل جمال عبدالناصر.
أما الحق فهو ان دولا عديدة شعرت بالظلم، وكأن يوما ما سيأتي ليظلموا فيه كما ظلم أهل غزة وفلسطين، التي باتت تعرف أرضا محتلة والعدو مغتصب لها، حتى أصبحت الحقيقة جلية وناصعة بأن فلسطين بلد الصمود الذي أنهى أسطورة “إسرائيل أرض لشعب الله المختار”.