أكد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أنه “لا خلاص إلَّا بقيام دولة فعليَّة في لبنان تُعدُّ خارطة الطريق لقيامِها واضحة جدّا وتقوم على جمع كلّ سلاح غير شرعيّ في مهلة واضحة ومحدَّدة، عودة قرار الحرب والسّلم إلى الحكومة حصرًا، سيادة كاملة على الأراضي اللبنانيَّة برمَّتها، فضلا عن السيطرة الشرعيَّة والفعلية على الحدود الشماليَّة والشرقيَّة والجنوبيَّة”.
كلام جعجع جاء خلال إفطار رمضاني أقامه وعقيلته النائبة ستريدا جعجع، في معراب، حضره مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ممثّلا بالشيخ خلدون عريمط، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز ممثلا بالشيخ فادي العطار، رئيس الحكومة نواف سلام ممثّلا بنائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري، والوزراء: الخارجية يوسف رجي، الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، الشؤون الإجتماعية حنين السيّد، الصناعة جو عيسى الخوري، السياحة لورا الخازن، الإعلام بول مرقص، وزير المهجّرين والدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي كمال شحادة وممثل وزير الزراعة نزار هاني عماد ابو راشد.
كما حضر الإفطار عدد من السفراء بينهم سفراء السعودية وليد بخاري ومصر علاء موسى وقطر سعود بن عبد الرحمن الثاني والاردن وليد الحديد.
وحضر عدد من النواب وحشد من الشخصيات الدينية والسياسية والنقابية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية.
وشدد جعجع في كلمته على ان “صمود الشعب اللبناني ونضالاته وتضحياته أثمرت، فقد تمكَّن من الحفاظ على جوهر هويَّة لبنان وسيادته وحريّته، وها نحن اليوم مع بداية نهاية فوضى استمرَّت عقودًا عدَّة، استُبيحَت خلالَها الدولة، ونُكِّل بدستورها، وصودِرَ منها القرار، ونُهبت مواردها، واغتيل قادتها وسياسيّوها ومفكّروها، لكنَّ العدالةَ الإلهيَّةَ لا تَخلِفُ بالعهودِ، ولا بدَّ أن تعود وتسود، مهما تعثَّرت أو تأخَّرت العدالة الأرضيَّة، كي لا تذهبَ هدرًا دماءُ الشهداء، وعلى رأسِهم بشير الجميِّل وكمال جنبلاط ورفيق الحريري”.
أمَّا فيما يخصُّ القضيَّة الفلسطينيَّة، قال جعجع: “ثمَّة عبارةٌ تعبِّر عن الواقع المؤسف: كم من الجرائم ارتُكِبت وتُرتكَب باسمِك وبحقِّك يا فِلسطين، عن سوءِ نيَّةٍ أو عن حُسنِ نيَّة. لقد تبيَّن بالوقائع التاريخيَّة أنَّ معظم المقاربات من أجلِ فلسطين، وخصوصًا من خلال اعتماد الفصائل المسلَّحة، أثبتت حتى الآنَ عُقمَها وعدمَ جدواها، وتبيَّن أنَّ الكثيرَ من هذه الظواهر والحركات كانت لأسبابٍ أخرى، لاسيَّما تلك التي قامت وتشكلَّت خارج الإطار الفلسطينيّ ولأسباب محليَّة ترتبط برهانات الوصول إلى السلطة أو بتوسيعِ نفوذ في المنطقة”.
تابع: ” إنَّ المعادلة الجِديَّة التي تؤدِّي إلى نتيجةٍ موضوعيَّةٍ هي المقاومة الشعبيَّة السلميَّة العارمة المستمرَّة، من دون تعبٍ ولا مللٍ وهوادة، مهما طالَ الزمن. هي المقاومةُ السياسيَّةُ انطلاقًا من حلِّ الدولتينِ وفقًا لمقرَّرات القِمَّة العربيَّة في بيروت عام 2002. ”
واضاف: “تمكَّنت مصر والمملكة العربيَّة السعوديَّة والأردنّ من إجهاض محاولة تهجير الفلسطينيِّين، على الرَّغمِ من ضُلوع أكبر وأقوى دول العالم في هذه المحاولة، في أحدث مَثَل للدّلالة على أنَّ القوَّةَ السياسيَّةَ، حيثُ فشِلَتْ القوَّة العسكريَّة، يمكِنُها تحقيق الكثير بالنسبة للقضيَّة الفلسطينيَّة؛ الأمر نفسه ينطبق على لبنان”.
وفي سياق متصل جدد جعجع التأكيد على انه “بعد محاولاتٍ مستميتة على مدى العقود الماضية لإخراج لبنان سياسيًّا من محيطه العربيّ، وزجِّه في محاورَ غير عربيَّة، عاد اليوم إلى علاقاته العربيَّة الصحيحة وشهِدْنا في الأيَّام الماضية أوَّل زيارة خارجيَّة يقومُ بها رئيس الجمهوريَّة العماد جوزاف عون للمملكة العربيَّة السعوديَّة، ومِنها إلى القاهرة للمشاركة في القِمَّة العربيَّة”. وشدد على أنَّ “البيئةَ العربيَّة هي البيئة الطبيعيَّة للبنان، كما هو معروفٌ منذ استقلاله، ومهما حاول البعض إبعادَهُ عنها، فلن يحصد إلا الفشل، وسيبقى لبنان أمينًا وثابِتًا على علاقاته العربيَّة التاريخيَّة”.
وعن العلاقة بين المكوِّنات اللبنانيَّة أوضح جعجع أنها “علاقةٌ تفرِض الحقيقةُ التالية عُنوانًا لها: لا استقرارَ ولا أمنَ في لبنان إلا في اللحظة التي تشعر فيها المكوِّنات اللبنانيَّة كلُّها بأنَّها غير مهدَّدةٍ في وجودها وحضورها وخصوصيَّاتها، ضمن الشراكة الفعليَّة والتنوُّع المتوازن، وهذا لن يحصُل إلّا من خلال قيام دولة قويَّة وقادرة يتفَيَّأُ الجميعُ بِظِلالِها”.
ودعا المكوّنات اللبنانيَّة كافَّة إلى “الالتفاف حول الدولة وسلطتها الشرعيَّة حصرًا، ونَبْذ أيّ مشروع يقوِّض أو ينال من هيبتها، كما إلى مراجعة عميقة لمختلف المراحل السابقة”.
واضاف: “إنَّ المُهمَّةَ الأولى للحكومة الحالية، وقبل أيِّ مهمَّةٍ ثانية أو ثالثة أو رابعة، هي الطلبُ المباشر والعلنيّ من الجيش اللبنانيّ البدء بتنفيذ ما ورد في خطاب القسَم، وفي بيانها الوزاريّ بالذات، وفي اتفاق وقف إطلاق النار، واستطرادًا في القرارات الدوليَّة 1559 و1680 و1701، وتأسيسًا على اتفاق الطائف، لجهة جمع كل السلاح غير الشرعيِّ، وتفكيك البُنى التحتيَّة العسكريَّة والأمنيَّة غير الشرعيَّة كلّها، وعلى كامل الأراضي اللبنانيَّة، ضمن مهلةٍ زمنيَّةٍ محدَّدةٍ وواضحة، كما وردَ أساسًا في اتفاق الطائف، ومن دون أيّ تباطؤ أو مماطلة أو تمييع”.
وعن الوضع في الجنوب شدد جعجع على “أنَّ بقاء إسرائيل على أيّ حبَّة تراب في أرض لبنان أمر مرفوض قطعًا ولا جدال فيه، ولكن ليس لدينا ترف الضَّحك على أنفسنا والآخرين، إذ لا يمكن محاربة هذا الاحتلال وإزالته إلَّا من خلال أصدقاء لبنان في العالم العربيّ وعلى المستوى الدوليّ، بالقوَّة السياسيَّة وعبر الوسائل الدبلوماسيَّة”، مشيراً الى انه “لن يستجيب لنا أصدقاؤنا العرب ولا الغرب، إلَّا بعد أن نكون قد أثبتنا أنفسنا وإرادتنا كدولة تفرض بشكل كامل وجديّ سيادتها على أراضيها كلّها، وتقبض بإحكامٍ على قرار الحرب والسّلم، وتحتكر كلَّ سلاح على الأراضي اللبنانيَّة برمَّتها”.
وعلّق جعجع على من يتحدّث عن فشل القوَّة السياسيَّة والوسائل الدبلوماسيَّة، قائلا: “المضحك المبكي في الوقت عينه، أن الوسائل العسكريَّة لم تفشل فحسب، بل أدَّت إلى احتلال الأرض مجدَّدًا، واستجلاب الكوارث والموت والخراب بشكل غير مسبوق. لذا على الأقلّ، فلتهدأ هذه الأصوات النَّشاز، ولتُعد ما للدولة للدولة، وتُسلّم الأمر لها بشكل فعليّ وحصريّ ونهائيّ، مرَّةً لكلّ المرَّات، وعندها سنعرف ما إذا كانت الوسائل السياسيَّة والدبلوماسيَّة عربيًّا ودوليًّا ستعيدنا إلى خطّ الهدنة، وهو حدود لبنان الفعليَّة مع إسرائيل، أم لن تنجح في ذلك”.
وتوقّف “رئيس القوات” عند مسألة إعادة الإعمار التي أكد “أنها واجبٌ وطنيٌّ لا يمكن التخلّي عنه، الّا أننا بحاجة أيضًا إلى معونة العالمين العربيّ والغربيّ، للتمكُّن من إنجازه، فقد قدّر البنك الدوليّ كلفته بعشرةِ مليارات دولار، علما أنهما لن يُبادرا إلى المساعدة في إعادة الإعمار، قبل أن يتأكَّدا من قيام الدولة الفعليَّة المنشودة في لبنان، والتي تحتكر وحدَها حقَّ حمل السِّلاح واستعماله، ولها وحدها قرار الحرب والسِّلم، وهي التي تسيطر فعليًّا على الحدود وتضبطُها شرقًا وشمالًا وجنوبًا”. وبالتالي، رأى أن “من يحرَص على إعادة الإعمار، عليه أوَّلًا أن يتوقَّف عن افتعال أيِّ عرقلةٍ، وأن يساعدَ الدولة في الوصول إلى هذه النُّقطة تحديدًا، للتمكُّن من بدء الإعمار كما ينبغي، وكما نرغب