كتب حسين زلغوط في اللواء:
كان يفترض برأس الدبلوماسية الفرنسية السابق جان إيف لودريان أن يزور لبنان منذ ما يقارب الخمسة اشهر أي مع بداية العام، موفداً من الرئيس ايمانويل ماكرون لاستكمال مساعيه الآيلة لإيجاد البيئة السياسية الملائمة لانتخاب رئيس للجمهورية، غير ان باريس لم تكن متحمّسة في ذاك الحين للزيارة كون ان المعطيات التي تمتلكها حول الوضع السياسي اللبناني، إضافة الى المناخات الإقليمية والدولية لم تكن توحي بإمكانية النجاح في إحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية. حتى ان قرار المجيء أمس للمرة السادسة الى بيروت لم يكن مبنياً على أية معطيات مشجّعة، إنما ما فرض هذه الزيارة هو الاجتماع الدوري الذي سيعقد بين الرئيس ماكرون والرئيس الأميركي جون بايدن في السادس من حزيران، حيث رغب الرئيس الفرنسي الذي سيناقش مع الرئيس بايدن المأزق الرئاسي اللبناني، أن يكون لديه فكرة عن آخر ما وصل إليه هذا الاستحقاق وهذا بالتأكيد سيصله بواسطة التقرير الذي سيرفعه إليه موفده الى بيروت بعد أن ينتهي من سلسلة من اللقاءات التي سيجريها مع كتل نيابية وقوى سياسية.
ووفق ما تمكّن بعض المسؤولين في لبنان جمعه حول زيارة لودريان، فان الزائر الفرنسي لا يحمل في جيبه أية أفكار أو طروحات مختلفة عما أثاره في لقاءاته خلال زياراته السابقة، وأنه سيكون في اجتماعاته مستمعا ومدوّناً على صفحات دفتره الخاص ما سيدلي به أهل الحل والربط في لبنان ، وهو حكماً سيحثّ المسؤولين في لبنان على الإسراع في انتخاب رئيس، لأن باريس لا تريد أن يكون لبنان خارج أي تسوية في المنطقة، باعتبار أن حضوره في مثل هذا التسوية يتطلب أن يكون لديه رئيساً للجمهورية مع حكومة مكتملة الأوصاف يكون في مقدوره مواكبة أي تطورات وأحداث محتملة.
لن يلمس الموفد الفرنسي خلال جولته التي سيلتقي خلالها اليوم رئيس مجلس النواب نبيه بري أي جديد في المواقف، حيث أن المتاريس السياسية ما تزال على ارتفاعها منذ أن انتهت ولاية الرئيس السابق ميشال عون، والتي لم يستطع «طوفان» الموفدين العرب والأجانب على مدى أكثر من عام ونصف من إزالتها، لا بل إن كل فريق سياسي ما زال يرفض التراجع ولو مقدار قيد أنملة عن مواقفه التي تشكّل شريطاً شائكاً يفصل ما بين الفراغ وانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا يترجم على أرض الواقع فشلاً للمهمة الجديدة للموفد الرئاسي الفرنسي ويجعلها زيارة لزوم ما لا يلزم، اللهم إلّا إذا طرأ ما يبدّد المناخات الموجودة حاليا وينقل الاستحقاق الرئاسي من حال الى حال.
ووفق المعلومات فان لودريان ربما سيحاول جس نبض الفرقاء اللبنانيين حول إمكانية حصول حوار على الأراضي الفرنسية كورقة أخيرة يمكن أن يلعبها، غير أن الرئيس بري لم ينتظر حتى يطرح عليه الزائر الفرنسي مثل هكذا طرح، من خلال تأكيده أمام زوار مقر الرئاسة الثانية في عين التينة أن الأفضل أن ينعقد أي حوار حول الرئاسة أو غيرها في بيروت وبرئاسته هو، مذكّراً انه سبق ان ذهبنا مرة الى سان كلو ولم نصل الى أية نتيجة، وهذا الموقف الإستباقي لرئيس المجلس ربما يجعل لودريان أن يعدل عن طرح فكرة الحوار في أي بلد غير لبنان، وربما أيضاً يطرح فكرته التي يعلم مسبقاً مصيرها لكن من باب اللهم إني قد بلّغت.
وفي هذا السياق سألت مصادر سياسية مطّلعة هل يمكن أن يحقق لودريان مع عجزت عن تحقيقه «الخماسية» التي تمثل خمس دول فاعلة على الساحة اللبنانية وفي المنطقة، بالتأكيد لا، فسفراء الدول الخمسة المتوارين حالياً عن الأنظار ولا يسجل لهم أي حراك جماعي أو ثنائي، أو على مستوى أفراد بعد صولات وجولات على كافة الكتل السياسية في لبنان، قد فشلوا في إقناع المسؤولين في لبنان في وضع خناجرهم المسمومة جانباً، والذهاب الى حوار يفضي الى انتخاب رئيس على الرغم من النفوذ الذي يتمتعون فيه على الساحة اللبنانية، لن يكون في مقدور موفد الإليزيه في النجاح في هذه المهمة، وبالتالي فان جولة لودريان السادسة ربما تكون أكثر تعقيداً من الجولات الخمس السابقة، وبالتالي سنكون أمام مرحلة جديدة من المراوحة ربما تمتد الى ما بعد الخريف المقبل موعد حصول الانتخابات الرئاسية في أميركا.