ثورة لإصلاح القضاء.. أولاً!
الجريدة: رندلى جبور
عندما سُئل ونستون تشرشل عن الدمار الذي أصاب المدن البريطانية بسبب القنابل الألمانية قال: “لا تقلقوا، إن بريطانيا بخير لأن القضاء فيها بخير…”.
هذا المثل التاريخي يدلّل على أهمية ومركزية القضاء في الأوطان، والذي يشكّل مع الأمن ركيزتي صمود كل دولة، كما يردّد الرئيس العماد ميشال عون دائماً.
وإذا كان الأمن في لبنان ممسوكاً بالحد المقبول على الرغم من الأزمات المستفحلة، فإن القضاء ممسوك أيضاً.. ولكن يبدو بطريقة معكوسة…!
هو ممسوك من “المنظومة”، وهو بالتالي ليس حرّاً. وحين يفقد حريته يفقد حتماً نزاهته.
ومناسبة طرح الموضوع، هو الاعتذارات المتتالية لعدد من القاضيات والقضاة في اللحظة الأخيرة، عن حضور احتفال تكريمي لهم، بعدما أكدوا حضورهم، وقد أرادته الجهة الداعية لنقاش تأسيسي مع مجموعة نخبوية من كل أطياف المجتمع.
وهنا تطرح الاسئلة البديهية:
إذا لم يتجرّأ قضاة على حضور مناسبة حوارية وتكريمية لهم، فكيف سيتجرأون على اتخاذ قرارات جريئة في محاكمهم؟
وإذا كانوا يرضخون للضغوط في أبسط الأمور، كالحضور ليس إلا، فكيف بالأمور الكبيرة التي تحمل طابع مواجهة “المنظومة” ومعاقبة الفاسدين والمجرمين؟
وإذا كانوا لا يملكون شجاعة الالتزام بكلمتهم، فكيف يُصدرون أحكامهم باسم الشعب؟
وإذا كانوا يتراجعون بهذه السهولة، بناء على اتصال هاتفي، ربما، فكيف يمكننا أن نثق بأنهم سيقفون مع الحق حتى النهاية؟
هو مثل صغير ولكنه يعكس أزمة وطنية كبرى.
وهو يعني أن وراء كل قاض، قاض أعلى رتبة يضغط عليه، ووراء القاضي الأعلى رتبة جهة ما تمون عليه أو ربما تأمره، ويعني أن كثيرين من قضاتنا ليسوا مستقلين، وأنهم جزء من تلك المنظومة الغاطسة في الفساد حتى نخاعها الشوكي.
وهذا يؤدي الى فقدان الثقة بالقضاء وهو أخطر أنواع الفقدان في وطن ينهار.
موت الضمير لدى بعض القضاة خطير، وموت الشجاعة لديهم أخطر بعد.
ربما هم يخافون على مناصبهم، ولكن أي منصب يبقى إذا زال الوطن؟
وربما يخافون على لقمة عيشهم، ولكن لو مارسوا دورهم كما يجب لكانت لقمة عيش ملايين اللبنانيين بخير، وهم منهم.
أليس ما وصلنا إليه هو بسبب عدم اتخاذ القرارات القضائية بحق من دمّرنا معيشياً؟
أليس ما وصلنا إليه هو بسبب غياب العقاب؟ لا بل بسبب غياب من يعاقب؟
في غياب وغيبوبة نعيش، ومن مثل صغير يمكننا أن نقول: لبنان ليس بخير لأن قضاءه ليس بخير، وما لم يصطلح أمر القضاء فيه سينتهي.
فلتكن الثورة الحقيقية إذاً ومن أجل قضاء مستقل وشجاع وغير خاضع. هذه هي معركتنا الكبرى ووجهتنا التي يجب أن تكون.
القضاء قضيتنا اليوم.
القضاء قدرنا الذي نرسمه بأيدينا إما بناءً وإما دماراً.
مع الاشارة إلى وجود قضاة شجعان وأصحاب موقف لا يغيّرون كلمتهم، ولم يتراجعوا عن الحضور في مساحة ضيقة وعلى مساحة الوطن.