كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
شكّل قرار القضاء بتوقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة مفاجأة لكثيرين، بعدما ساد لوقت طويل انطباع شائع بان الرجل بـ”سبع أرواح” وانه “مصفّح” ضد الملاحقة والمساءلة.
ليس خافيا ان سلامة كان يحظى بحصانة اميركية خلال فترة توليه حاكمية مصرف لبنان الى جانب الحماية السياسية وحتى الطائفية التي كان يستظل بها في الداخل اللبناني، ما حال دون الاقتراب منه على رغم من الشبهات التي تحوم حوله.
ولكن خروج سلامة لاحقا من الحاكمية على وقع اتهامه بملفات فساد وعلى أنقاض الليرة التي جرفها الانهيار المالي نحو الحضيض، أفضى إلى تعديل جذري في قواعد اللعبة التي كانت تحميه، بحيث أصبح مكشوفا وفاقدا للمناعة، بعدما رُفع عنه الغطاء الدولي وضاقت مساحة مناورته الداخلية مع تراجع “قيمته السوقية” عقب مغادرته لمنصبه، الا اذا كشف مسار ما بعد التوقيف والتحقيق خلاف ذلك.
وحتى يثبت العكس، فإن احدا من اللاعبين الكبار لم يعد معنيا، على الارجح، بأن يخوض معارك للدفاع عن سلامة وبان يتحمل وزر هذا الدفاع، خصوصا ان الحاكم السابق لمصرف لبنان المركزي “محروق” شعبيا، كونه في نظر اللبنانيين شريكا اساسيا في ارتكاب جريمة إهدار ودائعهم حتى لو لم يكن يتحمل المسؤولية لوحده.
والمفارقة ان علامات استفهام طُرحت حول توقيت عملية توقيف سلامة وابعادها وقطبها المخفية، في حين انها يُفترض ان تكون من البديهيات التي تأخرت كثيرا عن موعدها، ربطا بالاتهامات الثقيلة الموجهة اليه في ملفات عدة والتي تحتاج إلى أن يبت بها القضاء، بمعزل عن أي أحكام مسبقة.
والاكيد ان معظم اللبنانيين الذين ضاعت ودائعهم في المصارف شعروا “فطريا” بالارتياح النفسي بعدما أصبح سلامة خلف القضبان، وكأنهم وجدوا في هذا التوقيف نوعا من العزاء او التعويض المعنوي لهم. صحيح انه ليس المرتكب الوحيد وصحيح ان توقيفه لن يعيد الحقوق الى أصحابها فورا لكنه قد يكون أول الخيط لمعرفة حقيقة ما جرى ولتحديد المسؤوليات، اذا قرر القضاء ان يتوسع في التحقيقات وان يغوص في عمق الكهف الذي يكتم سلامة أسراره.
وبهذا المعنى، فإن القضاء الذي ربح جولة أولى على سلامة، لم يربح بعد كل المعركة، في انتظار اتضاح المسار النهائي الذي ستتخذه هذه القضية وتبيان مقدار جدية القضاء في التعاطي المهني والاحترافي معها، من دون التأثر باي اعتبارات او تدخلات سياسية، يتخوف منها أولئك الذين سبق ان “لدغتهم” التجارب المريرة.
واللافت في هذا السياق، ان كثيرين من المواكبين لملف سلامة القضائي لا يتجرأون على الجزم منذ الان بأنه سيصل حكما الى خواتيمه العادلة، بل هناك من لا يخفي خشيته من ان يكون قرار توقيف الحاكم السابق لمصرف لبنان مجرد مشهد “أكشن” في سيناريو مُعلّب ومُركّب سلفا لتبرئة ساحته وربما لحمايته من الإنتربول، او ان يكون في أحسن الحالات نتاج “مروءة” شخصية للمدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار، قد لا تكفي لضمان وصول الملف الى خط النهاية الموضوعية.
وبهذا المعنى، يبدو حتى الآن ان توقيف سلامة يطرح اسئلة اكثر مما يقدم أجوبة، وذلك في انتظار ان يرد سلوك القضاء في الأيام المقبلة على علامات الاستفهام المتداولة حول جدية المساءلة وشجاعة المحاسبة ونزاهة التحقيق ومناعة القضاة.
في اختصار، إما أن يثبت القضاء أهليته في مواجهة تحدي قضية سلامة وإما ان يقال له “مع السلامة”.