الأخبار- رضوان مرتضى
قبل ستة أيام، عمَّم المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، عبر النائب العام المالي، استنابات قضائية فورية للأجهزة الأمنية كافة (قوى الأمن الداخلي، الأمن العام، أمن الدولة، الجمارك، مخابرات الجيش)، لإجراء التعقبات والتحقيقات الأولية لملاحقة الصرّافين والمضاربين على العملة الوطنية والتسبب بانهيارها. مرّت خمسة أيام، من دون أن يحرّك أي من القوى الأمنية ساكناً. تزامن ذلك مع تسريب محادثات بين صرافين على مجموعات «واتساب» (المعتمدة، العاصمة، بينغو…) تُظهر كيفية حصول المضاربة التي تؤدي إلى رفع سعر صرف الدولار. وبيّنت التسريبات أنّ الصرّافين والمضاربين رفعوا الدولار خلال شهر واحد من 47 ألف ليرة إلى 64 ألفاً، ورفعوا سعر صرف الدولار 5 آلاف ليرة في يومٍ واحد. وتظهر المحادثات أنّ هؤلاء يقومون بما يُشبه المقامرة عبر رفع سعر الدولار أعلى من السوق لجمع أكبر كمية من الدولارات، ما يتسبب في ارتفاع الطلب على الدولار، ويرفع سعره.
وما إن وُضعت هذه المحادثات في التداول حتى عمد الصرّافون إلى إغلاق المجموعات والخروج منها. وقد حُدِّد من هؤلاء عشرون صرّافاً ومضارباً أوقف فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي 14 منهم بعد عمليات دهم في الشمال والبقاع والجنوب صودرت خلالها ملايين الدولارات ومليارات الليرات. ومن بين هؤلاء علي نمر الخليل الذي ذاع صيته جراء تسريب تسجيلات صوتية له من مجموعات الصرافة، وهو الذي كان يعمل على قاعدة أنه من مسؤولي حركة أمل ويحظى بحماية قائد حرس الرئيس نبيه بري، إلا أن الحركة أعلنت رفع الغطاء عنه، وأفضت اتصالات بينه وبين فرع المعلومات إلى تسليم نفسه بدل القيام بمداهمة قد تتسبب بمشكلة بسبب وجود عشرات المسلحين العاملين معه. وتولى الضابط حسين دمشق عملية تسليمه إلى فرع المعلومات ليل السبت، بعد توقيف ابن شقيقه وشريكه عيسى كنج. وتبيّن أن في حق الخليل مذكرة توقيف في ملف الطيونة.
كما سلّم الصرّاف علي الحلباوي نفسه إلى فرع المعلومات أمس، علماً أنّ الصرّافين اتهموا الأخير بأنّه يقف خلف تسريب المحادثات الخاصة على مجموعة الصرافة المغلقة بعدما كان شريكاً في الصرافة والمضاربة. وترددت معلومات عن تورط ضابط من الحرس الجمهوري في أعمال الصرافة والمضاربة مع الصرّاف رضا حاطوم. ويشتبه التحقيق بأن هؤلاء جميعهم يُضاربون على الليرة متسببين بارتفاع جنوني في سعر صرف الدولار. مع الإشارة إلى أنّه مع تسريب الأسماء، اشتعلت حرب بين الصرّافين أنفسهم. إذ صوّر بعضهم ما يجري على أنّه محاولة من مجموعة منهم الإطاحة بمجموعة أخرى للحلول مكانها.
إزاء ذلك، عمد الصرّافون «المستهدفون» إلى بذل جهد أكبر لإبقاء سعر الصرف مرتفعاً بعد انخفاضه فجأة من 64 ألف ليرة إلى 58 ألفاً، وذلك عبر إبقاء الطلب على الدولار بكميات كبيرة، ووضعوا سقف 65 ألف ليرة للدولار الواحد على مجموعاتهم، معممين بضرورة عدم السماح بنزوله، وهو ما تم توثيقه في تسجيلات صوتية لهؤلاء.
فرع المعلومات يعمل إلى جانب التحقيقات على تفريغ هواتف الموقوفين للحصول على مضمون المحادثات لتحديد حقيقة ما كان يحصل فعلاً، وعلاقتهم مع المصرف المركزي والمصارف وشركات تحويل الأموال. وسط أسئلة عما إذا كانت التدخلات ستمنع المحققين من استكمال التحقيق لتحديد دور المصرف المركزي والمصارف وكبار التجار في المضاربة على العملة، وبكشف كيف حصلوا على مليارات الليرات لاستخدامها في المضاربة؟ إضافة إلى السؤال الأهم حول توقيت رفع الغطاء عن الصرّافين وهم ليسوا سوى أدوات تعمل في خدمة التجار والمصرفيين الكبار، ومرد الشكوك أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أوقف عام 2020 تحقيقاً مشابهاً، بعدما قام آمر مفرزة الضاحية القضائية المقدم علي الجفّال بحملة على الصرّافين وأوقف عدداً كبيراً منهم وصادر ملايين الدولارات ومليارات الليرات بجرم المضاربة والتلاعب بالعملة الوطنية. التحقيق الذي تولّاه جفّال آنذاك أسفر عن الوصول إلى مدير العمليات النقدية في المصرف المركزي مازن حمدان ومدير الخزانة في مصرف سوسيتيه جنرال كريم خوري. فتبيّن أنّ الأوّل كان يزوّد الثاني وآخرين بمليارات الليرات لشراء الدولار من السوق. كما أدت التحقيقات إلى إغلاق مجموعات الصرافة المضاربة على واتساب والخروج منها كما حصل خلال الأيام الماضية. وقادت التحقيقات إلى استدعاء حاكم المصرف المركزي للاستماع إلى إفادته أمام النائب العام المالي علي إبراهيم. غير أنّ هذا التحقيق «ضُبضِب»، بقدرة قادر، وتُرك جميع الموقوفين وانتهى بنقل جفّال إلى مركزٍ آخر في جنوب لبنان.