تمديد مفاوضات القاهرة لـ”التأني” أم لـ “تأجيل النعي”؟!

تمديد مفاوضات القاهرة لـ"التأني" أم لـ "تأجيل النعي"؟!

كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:

فرضت التمديد لمفاوضات القاهرة التي تديرها المبادرة الثلاثية الاميركية ـ المصريةـ القطرية في شأن الوضع في غزة قراءة جديدة للمعطيات التي قادت إليها بعد محطة الدوحة وفتحت المجال امام مجموعة من السيناريوهات المرتقبة وابرزها إصرار واشنطن على وقف النار وتبادل الاسرى والمعتقلين بغية تأجيل ضربة ايران واذرعها وربما الغاءها تماما وتأجيل نعي مبادرة الرئيس جو بايدن التي تبنتها معظم دول العالم. وعليه ما هي المؤشرات الدالة الى هذه القراءة؟

أثبتت التطورات المتلاحقة في الفترة القليلة الماضية وخصوصا تلك التي تلت احياء المفاوضات بين اسرائيل وحركة “حماس” من الدوحة في 15 آب الجاري بموجب المبادرة الثلاثية الاميركية ـ المصرية ـ القطرية ان من الصعب،لا بل من المستحيل، قراءة مستقبل الوضع العسكري وما يمكن ان تؤدي اليه التهديدات المتبادلة سواء تلك التي اطلقها “محور الممانعة” التي تحاكي الرد على عمليتي اغتيال اسماعيل هنية والقائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في شكلها ونوعيتها وهدفها. والتي فعلت فعلها لدى الطرف الآخر الذي يستعد لكل اشكالها الغامضة. فهو بلغ الذروة في حشد التعزيزات العسكرية البحرية والجوية والبرية الاميركية منها، ومعها تلك التي قامت بها جيوش الحلف الدولي لمواجهة اي ضربة كبيرة قد تؤدي الى اشعال الحرب الشاملة في المنطقة. فعلى رغم من تأكيد جميع الاطراف ان احدا لا يريدها. فان ذلك لا يخفى ضرورة احتساب الخطأ الوارد الذي قد يرتكبه أي من الطرفين وقد يؤدي في اي “لحظة تخلي” الى انفجار لا يمكن تقدير نتائجه واحصاء اضراره ولن يكون ممكنا سوى تأريخ “الطلقة الاولى” المؤدية اليه.

على هذه الخلفيات انطلقت الحركة الديبلوماسية غير المسبوقة التي شهدتها عواصم المنطقة من تل ابيب والقاهرة بعد الدوحة وصولا الى بيروت وانقرة وطهران التي ستشهد في الساعات المقبلة لقاء يجمع رئيس الحكومة القطرية وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بنظيره الإيراني الجديد عباس عرقجي وقد يلتقي آل ثاني الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان. وهو ما قد يشكل نقلة نوعية ان اكتمل بعض الصيغ التي يعمل عليها في المفاوضات السرية في سلطنة عمان او في أي عاصمة أخرى تشهد على تبادل رسائل مكملة للمفاوضات الاميركية ـ الايرانية وأخرى من هويات مختلفة.

وانطلاقا مما حققته هذه “الهجمة الديبلوماسية” لم يظهر ان وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن الذي جال اخيرا على تل ابيب والقاهرة والدوحة قبل العودة إلى بلاده قد حقق أي خطوة متقدمة بعدما اخطأ في بث الأجواء الايجابية التي نفتها على التوالي مواقف اسرائيلية واخرى فلسطينية جعلته في موقع محرج جدا بعدما فندت هذه المواقف مكامن العقد المتمثلة بالعناد الاسرائيلي على عدم إخلاء محور فيلادلفيا على الحدود المصرية ولا محور نتساريم الذي يفصل بين المنطقتين الشمالية والوسطى من قطاع غزة ويتحكم بحركة الفلسطينيين المدنيين المدعوين بين يوم وآخر الى الترحال من شرق القطاع وغربه او بالعكس بنحو يتزامن مع المجازر المرتكبة في “المناطق الآمنة” بطريقة لم تعد تسترعي انتباه الغرب الذي رفض سابقاتها ودفع بمحكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية الى ادانة اسرائيل على ما ارتكبته من جرائم في حق الانسانية.

والى هذه الملاحظات، لم تنفع التسريبات التي تحدثت عن توافق أميركي ـ مصري أولاً حول صيغة يمكن أن تقبل بها اسرائيل وما لبثت ان تلاشت بسرعة قبل ان يجف حبرها، ليليها اعلان مماثل عن توافق أميركي ـ قطري لم ينته الى اي نتيجة تنعكس على مواقف اسرائيل و”حماس” في شكل ايجابي فتعالت التهديدات مجددا في تل أبيب لخوض الحرب ضد لبنان. ولعل ابرزها الهجوم الذي شنه وزير الأمن الاسرائيلي ايتمار بن غفير على وزير الدفاع يوآف غالانت حيث دعاه الى الهجوم على لبنان بدلا من التهجم عليه. وهو ما يعكس الشرخ القائم ضمن الحكومة الإسرائيلية حول بعض الخطوات الكبرى والذي يتوسع يوما بعد يوم بعد فشل المصالحة التي سعى اليها البعض بين غالانت ونتنياهو الذي يحاذر اقالته حتى اللحظة في ظل القطيعة الكبرى بينهما منعا لانهيار حكومته.

ولا يخفى على المراقبين الاشارة الى ان من بين الدوافع الى مزيد من التشاؤم مما هو آت من تطورات، ما تسرب من مضمون الاتصال “المتشنج” الذي أجراه بايدن مع نتنياهو لحضه على تعديل موقفه وإظهار المرونة المطلوبة توصلا الى وقف للنار من دون تحقيق اي خطوة ايجابية، وهو ما دفعه الى مفاجأته بانضمام نائبته كامالا هاريس الى الاتصال عينه لتعبر عن موقف مماثل. وهي خطوة اكدت، حسب مصدر ديبلوماسي مطلع، ان بادين اراد ان يؤكد لنتنياهو ان رسالته لم ولن تنتهي بعد طالما انه باق في البيت الأبيض حتى 20 كانون الثاني المقبل، وإن لم تكفيه هذه الفترة فإنه سيكون للبحث صلة ان دخلت هاريس الى البيت الابيض كخليفة متوقعة له لولاية جديدة وكاملة وهو أمر عليه ان يحتسبه بدقة من كل الجوانب التي ينبغي ان يقاربها.

وبناء على ما تقدم، وفي انتظار ما ستنتهي اليه مرحلة المفاوضات الممددة في القاهرة فان التوقعات متعددة وليس هناك ما هو محسوم بعد. وهو أمر رهن نتائج عمل الفرق التقنية بعدما انضم اليها أول امس الخميس كلا من مدير المخابرات المركزية الأميركية وليم بيرنز ورئيس “الموساد” ديفيد بارنياع، ورئيس الأمن العام “الشاباك” رونين بار لمواصلة المفاوضات في شأن وقف النار واطلاق الأسرى وفي مصير الوضع على محور فيلادلفيا في غزة ورعاية المشاورات الدقيقة التي يشارك فيها الفريق التقني الى جانب نظرائه المصريين والأميركيين والقطريين وفي مكان قريب من وجود الفريق الذي يمثل “حماس” في العاصمة المصرية.

وعلى هذه الخلفيات، نُمي الى المراجع الديبلوماسية ان الخطوات الاميركية المنسقة مع المصريين والقطريين تهدف الى تأجيل اعلان الفشل الثلاثي في احداث اي تغيير بعد الرهان على إمكان تحقيق شيء ما، وسد الفجوات التي تسببت بها شروط نتنياهو ويحيى السنوار في آن. فأي اتفاق بين من يمسك القرارين العسكري والسياسي يمكن ان يكون مضموناً بطريقة هي الفضلى. وهو ما يدفع بالخطوات الديبلوماسية الى الاستفادة من كل فترة سماح إضافية تؤجل الردود العسكرية لمحور الممانعة، الى وقت يمكن ان يتحقق فيه اي خطوة ايجابية تلغي الخطوات الكبرى لتتركز الاهتمامات على معالجة الصغرى، وخصوصا ان اسرائيل اعلنت مرارا ان العمليات العسكرية في غزة باتت في نهاياتها وان نقل مزيد من القوة الى شمال البلاد يضع المحادثات حول الوضع مع حزب الله في الواجهة مجدداً، على رغم من ان بدايتها ما زالت رهنا ولو بخطوات صغيرة ايجابية يمكن ان تتحقق في غزة لتنعكس على جنوب لبنان وربما على بقية “جبهات الالهاء والاسناد” لغزة.

 

Exit mobile version