كتب مبارك بيضون
لم تزل المبادرة الفرنسية تصارع الظروف السياسية اللبنانية والمتغيرات الإقليمية والحراك الدولي، لعلها تخرج من قمقم السياسة اتجاه الخارج، ليصار الى تتويجها كدرة تاج للعلاقات الخارجية، ووضعها كإنجاز لرئيس فرنسي يصارع معارضة شرسة، أحبطت معظم إنجازاته الداخلية.
ومع بداية العام بدأ النشاط السياسي يعود الى ما كان عليه قبل مونديال قطر، فلقاء وفد حزب الله مع البطريرك الراعي بدا وكأنه كسر لجليد العلاقة بين حارة حريك وبكركي عقب دعوات الراعي الى الحياد من جهة وتدويل الأزمة اللبنانية من جهة أخرى، مع رفض فاتيكاني لكل هذه الطروحات. علمًا انه ليس اللقاء الأول بين الطرفين حيث تم إجراء عدد من اللقاءات بينهما في دارة النائب فريد هيكل الخازن في جونية.
موقف بكركي المترنح بين الحياد والمؤتمر الدولي انعكس ترنحًا على مواقف القوى التي تسمي نفسها سيادية، خاصة أنها تحتاج إلى مظلة بكركي الدينية، ومباركته الرعوية لبدء حملة تسويقية جديدة لاسم مرشح جديد، مع ترنح الأسماء الثلاثة المرشحة بفضل عدم تبنيهم من أي من الكتل الكبرى، ان كان تكتل لبنان القوي أو تكتل الجمهورية القوية.
وعلى النقيض يستمر رئيس حكومة تصريف الأعمال باستفزاز القوى المسيحية من خلال توقيعه المراسيم الصادرة عن الحكومة بتوقيعين عن رئيس الجمهورية وعنه، وإن كان من خلال التلويح بعقد جلسة ثانية لمجلس الوزراء، مع عدم إمكانية تأكيد مشاركة حزب الله، اذ ان العلاقة بينه و التيار الوطني الحر تتداعى بعد الأزمة الأخيرة.
كل ذلك يتقاطع مع تصلب الموقف السعودي إزاء لبنان، مع رفض العمل بأي مبادرة ما لم تكن تستجيب لمطالب المبادرة القطرية، والتي تشكل حلًا كاملًا للأزمة السياسية في لبنان. اذ ان القطريون لن يتخطوا الخطوط المرسومة لهم من ضمن إطار المبادرة الفرنسية ذات المباركة الأمريكية والبابوية.
وفي إطار العمل في المبادرة الفرنسية، لم يغب دور طهران عنها، اذ ان الربط بينها وبين التطورات بالأزمة اللبنانية خطأ، كما عبر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في إطلالته الأخيرة في الأمس والتي أكد مصدر متابع للملف الإنتخابي على “أن كل التدخلات الخارجية لا تجدي نفعاً للاستحقاق الرئاسي لانتخاب رئيس للجمهورية”
وأشار المصدر إلى أنه “لا بد من تفاهم داخلي وحوار بين اللبنانيين أنفسهم للوصول إلى صيغة تفاهم على شخصية تتناسب والمرحلة الراهنة، واعتبر المصدر أن التدخلات الخارجية تختلف فيما بينها على نحو يرتبط ارتباطا وثيقا بالحلول التي تنتج تفاهمات داخلية وتكون عاملا مساعدا وبين تدخلات خارجية لا علاقة لها بأي من التفاهمات الداخلية، وهي خارج الإطار المفترض أن يلبي حاجات اللبنانيين فيما بينهم للتفاهم على هكذا اتفاق، لذلك كل ما يجري من تناقضات في الخارج بين الدول أو تفاهمات إن كانت في القريب العاجل إن حصلت أم لم تحصل ليست لها أي علاقة ولا تؤدي مفاعيلها لإنتاج انتخابات رئاسية. “
وأضاف المصدر أن “ما يعوّل عليه من مبادرات لدول تحث المجتمع اللبناني والمكونات المتعددة داخله فهي تعود بالفائدة الى صيغة توافقية التي شأنها أن تلبي الحاجة للتقارب بين المكونات السياسية للتفاهم والتنسيق فيما بينهم وتذليل العقبات التي تستجد بين الحين والآخر.”
من هنا لابد من توافق داخي لانتاج صيغة رئاسية ضمن إطار حل اوسع واشمل للقضية اللبنانية، والتي من شأنها أن تكون حجر عثرة في أي مشروع إقليمي ، فالتصعيد مهما بلغ لن يبلغ الخطوط الحمراء الموضوعة داخليا وخارجيًا، وأن أي اتفاق لابد ان يكون بالجلوس الى الطاولة لعدم الإتيان برئيس تصادمي.