تطبيع سعودي اسرائيلي فاضح

رفعت ابراهيم البدوي

ثمة انطباع أن تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل يسير بخطوات متسارعة، تلبية لطلب مباشر من الإدارات الأميركية المتعاقبة وتحديداً من إدارة الرئيس الأميركي الأسبق الجمهوري دونالد ترامب، وصولاً إلى إدارة الرئيس الحالي الديمقراطي جو بايدن.

إذاً، تطبيع العلاقات السعودية مع إسرائيل هو هدف أساسي لترتيبات السياسة الأميركية الهادفة إلى تثبيت موقع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين، وتشريع وجوده وجعله شريكاً فعلياً مقرراً في أية ترتيبات اقتصادية وسياسية وحتى أمنية مستقبلية في المنطقة.

ممّا لا شك فيه، أن المملكة السعودية الحالية، هي في حالة انفصام عن مملكة الأمس، فالمملكة بإدارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الطامح إلى جعل السعودية مركزاً عالمياً يستقطب الاستثمارات الاقتصادية والتكنولوجية والصناعية وحتى السياحية والرياضية، تعيش حالاً من الانفتاح والحرية والانتعاش الاقتصادي.

لكن طموح الأمير محمد بن سلمان له ما له وعليه ما عليه، أما الطريق لبلوغ هدفه المنشود بتحويل المملكة إلى نقطة ارتكاز دولية من خلال مشروع «نيوم» الضخم، لم يزل طويلاً وربما له أثمان مكلفة لابد من تسديدها على الصعد الداخلية والخارجية وحتى الإقليمية، وأهمها القضية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية التي أقرت في مؤتمر بيروت 2002.

في مقابلته الأخيرة مع قناة «فوكس نيوز» الأميركية لم يأت محمد بن سلمان على ذكر المبادرة العربية للسلام التي وضعها آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز، في إشارة واضحة أن ما فات قد مات، والآن نحن في خضم سياسة جديدة للمملكة مرتكزة على أسس مختلفة تجعل من المملكة منافساً دولياً، ولو على حساب المبادئ والقيم وعلى حساب فلسطين، وفي معرض جوابه عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل قال: إن المفاوضات مع إسرائيل تسير بشكل إيجابي ولنا مطالب معينة لكننا لم نصل إلى مرحلة الاتفاق الكامل.

في المقابلة التلفزيونية مع «فوكس نيوز» الأميركية، غاب أو غُيّب الحق العربي بفلسطين وعاصمتها القدس، كما لم يذكر إسرائيل بالمحتلة لفلسطين، ولم نسمع حتى بقيام دولة فلسطينية مستقلة، لا بل استبدل الاحتلال الإسرائيلي ببند تحسين أوضاع الفلسطينيين، وهذا ما يعتبر تراجعاً سعودياً عن التزام بأنبل قضية محقة في التاريخ المعاصر وهي فلسطين.

هنا لا بد لنا من السؤال: هل التخلي عن القضية الفلسطينية وعن حقوق الشعب الفلسطيني وتطبيع العلاقات والاعتراف بإسرائيل، بات من الضرورات لإنجاز طموحات محمد بن سلمان وتحقيق النمو والتقدم والتطور في السعودية؟

انتقادات لاذعة رافقت محتوى المقابلة وكلام محمد بن سلمان عن التطبيع السعودي مع إسرائيل، ولتخفيف حدة الانتقادات بادرت صحيفة «الرياض» المقربة من مركز القرار السعودي يوم السبت الفائت، إلى نشر افتتاحية أكدت فيها التزام المملكة بالمبادرة العربية للسلام 2002 معتبرة أن المبادرة العربية هي في صلب سياسة المملكة.

لم تزل نشوة الرئيس المصري الراحل أنور السادات بالصلح والتطبيع مع إسرائيل ماثلة للعيان، واعداً الشعب المصري بالعسل واللبن، والتقدم والنمو وأيضاً بالحصول على الحقوق الفلسطينية وبإحلال السلام في المنطقة، لكن وبعد 45 عاماً على اتفاقية كامب ديفيد نسأل: ماذا جنى الفلسطينيون والعرب وخصوصاً مصر، من اعترافها وتطبيعها مع إسرائيل، ومن خيانة أنور السادات لفلسطين، فمصر في الماضي عانت من عزلة عربية رغم ثقلها وموقعها نتيجة معاهدة الصلح مع إسرائيل، ومصر اليوم تعاني الأمرين من حالة اقتصادية مزرية وضغط سياسي أميركي هائل وحرمان من حصتها في مياه النيل ومحيط متفجر أمنياً من السودان إلى ليبيا يهدد أمن مصر الاستراتيجي، وكل ذلك نتيجة تآمر إسرائيلي أميركي رغم الصلح وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

إن الزيارات المتتالية لوزراء في الكيان الصهيوني والسماح لمشاركة وفود إسرائيلية صحفية رياضية، بزيارة السعودية تحت عناوين المشاركة الدولية ورفع العلم الإسرائيلي في السعودية، دليل على اعتراف سعودي معلن بالكيان الصهيوني المحتل لفلسطين وهو تطبيع سعودي إسرائيلي فاضح وإن كان من دون سفارات متبادلة.

إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ليس شأناً سعودياً صرفاً بقدر ما هو شأن عربي إسلامي، نظراً لمكانة السعودية على المستويين العربي والإسلامي، ولأن السعودية فيها منطقة الحجاز وهي حامية الحرمين الشريفين، لذلك نقول إن أي تطبيع سعودي إسرائيلي ولو كان هادفاً لكسب ود الأميركي، لن تكون عاقبته إلا الخسران وخذلان الإسلام والمسلمين والعرب.

من نافل القول إن أسهل الطرق للتخلي عن المبادئ والقيم، هي التراجع عن الحقوق خطوة للوراء، فتسهل بعدها عملية تتابع الابتزاز والتنازل حتى بلوغ أسفل السلّم، وهكذا تهان الكرامة الوطنية مقابل تعزيز وجود المحتل والاعتراف به ليس كمحتل بل كصاحب حق مزوّر تاريخياً.

لا غلو بالقول إنه ورغم تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل ومنها الإمارات العربية، فإن سبعين بالمئة من شعب الإمارات رافض للتطبيع وإن شعب مصر العظيم رافض لأي علاقات مع الإسرائيلي المحتل لفلسطين وقاتل الفلسطينيين، وإن شعب الأردن أيضاً رافض للتطبيع ويطالب بطرد السفير الإسرائيلي وإغلاق السفارة الإسرائيلية في عمان، والحال نفسه سيكون ديدن شعب المملكة السعودية المتمسك بعروبته وبإسلامه الرافض لاحتلال أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

على الرغم من شروط الأمير محمد بن سلمان لإتمام التطبيع مع إسرائيل، بيد أن ما يجري حالياً بين السعودية والكيان الصهيوني هو بمثابة التعايش مع ثعبان لديه أنياب مليئة بالسم الزعاف، وهذا ما يفسر «بالتطبيع عالناعم» أولاً لامتصاص الغضب الداخلي، وثانياً لاعتقاد محمد بن سلمان أنه بذلك التطبيع قد يضمن أهداف إسقاط تُهم قتل جمال الخاشقجي، وتسهيل أميركي لتوليه عرش المملكة، وبلوغ هدفه بجعل المملكة مركزاً عالمياً.

أما الأهداف الإسرائيلية من التطبيع مع السعودية، تكمن في توجيه ضربة قاضية للمقاطعة العربية لإسرائيل، بما تُمثله السعودية من وزن سياسي واقتصادي وديني، وبالتالي الاستفادة من قدرة التجيير السعودية لإسقاط ما تبقى من ممانعة عربية وإسلامية مقاومة للاحتلال، ضمن الإطار السني، في المنطقة، وبالتالي قطع الطريق على كل من يتمسك بالقضية الفلسطينية، فتتحول من قضية مركزية للعرب والمسلمين، إلى مجرد قضية تحسين أوضاع الفلسطينيين.

إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل وإن كان على قاعدة السلام مقابل السلام يمثل قمة الانفكاك العربي والإسلامي عن التزام العرب بقضيتهم المركزية، وبالتالي اعتبار التطبيع السعودي مع إسرائيل انتصار بائن للمنطق الإسرائيلي، وتثبيت لاحتلاله وطناً عربياً اسمه فلسطين، كما أن التطبيع السعودي يمثل إنقاذاً لهذا الكيان المحتل من خطر التفكك والزوال.

إن من يقبل بتقاسم القدس مع المحتل أو بالتخلي عن الأقصى أولى القبلتين، يسهل عليه التخلي عن القيم والمبادئ والثقافة والحضارة والتاريخ، وحتى عن قيم الدين الإسلامي التي بنيت على أساسه المملكة السعودية، وعلى هذا يبقى على الإدارة السعودية إدراك المخاطر الداخلية والإقليمية، من استكمال خطوات التطبيع مع عدو الأمة والدين.

Exit mobile version