الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

تشويش إسرائيلي مبكر على العهد

تشويش إسرائيلي مبكر على العهد

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

نجح أهالي الجنوب في منع تكريس الأمر الواقع الذي حاول الاحتلال الإسرائيلي فرضه عليهم، واستطاعوا عبر إصرارهم على العودة إلى بلداتهم مع انتهاء مهلة الانسحاب، أن يتحوّلوا رقماً صعباً في الحسابات المتصلة بمصير المنطقة الحدودية ومستقبلها.

لعلّ أهم ما أنجزه الجنوبيّون من خلال حراكهم المزدحم بالرسائل البليغة هو أنّهم تمكنوا بشجاعتهم وكبريائهم من صنع لحظة وطنية وتاريخية صافية، تجاوزت بمردودها حدود الليطاني.

كذلك، منحت “انتفاضة” الأهالي السلمية والمؤثرة في الوقت نفسه الدولة اللبنانية ورقة قوة في مواجهة استخفاف الجانب الإسرائيلي باتفاق وقف إطلاق النار وبموعد اكتمال خروجه من المناطق الجنوبية التي لا تزال تحت الاحتلال.

ولعلّ من المفاعيل المباشرة للتطوّرات الجنوبية هو إعلان واشنطن ورئيس حكومة تصريف الأعمال، عن التفاهم على تمديد اتفاق وقف إطلاق النار حتى 18 شباط المقبل، الأمر الذي يعني ضمناً أنّ الانسحاب الإسرائيلي يجب أن يكون قد اكتمل مع حلول هذا التاريخ، علماً أنّ هناك احتمالاً بأن يستمر الضغط الشعبي لمحاولة فرض الانسحاب قبل ذلك الحين.

ولم يشكّل تنصّل العدو الإسرائيلي من استكمال انسحابه ضمن مهلة الشهرَين، انتهاكاً للاتفاق المعلن وحسب، بل هو انطوى بالدرجة الأولى على تحدٍّ للعهد الجديد، في سياق تشويش أو حتى تصويب مبكر عليه.

إذ، وقبل أن ينتهي رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من ترتيب “عدّة الشغل”، وقبل أن ينتهي الرئيس المكلّف نواف سلام من تشكيل حكومته… قرّر الكيان الإسرائيلي أن يفجّر لغم عدم الانسحاب في وجه التركيبة الجديدة التي علّق عليها اللبنانيّون أملاً كبيراً، ما وضعها أمام اختبار صعب ومباغت منذ بدايات تجربتها في الحكم.

بمعنى آخر، فإنّ استمرار العدو في احتلال جزء من الأراضي الجنوبية على رغم من انقضاء مهلة الـ60 يوماً لانسحابه منها، إنّما يمثل بالدرجة الأولى إحراجاً للدولة اللبنانية، في اعتبارها أصبحت المعنية الأساسية بحماية السيادة والدفاع عنها في مواجهة أي تهديد لها، خصوصاً في المساحة الممتدة من جنوبي الليطاني حتى الحدود مع فلسطين المحتلة، وفق مندرجات القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار.

وأسوأ، بل أخطر ما في الأمر، هو أنّ قرار تل أبيب بتمديد احتلالها لأجزاء من أرض الجنوب فترة إضافية، ترافق مع عملية إعادة تكوين السلطة في لبنان، وما واكبها من تبشير بمرحلة مختلفة من الاستقرار والإزدهار، إذ بدا أنّ شظايا القرار الإسرائيلي تصيب هذا المسار في حدّ ذاته.

والمفارقة، أنّ المجتمع الدولي، وخصوصاً الغربي، الذي دعم بقوة انتخاب العماد جوزاف عون، وشكّل رافعة ديبلوماسية لوصوله إلى قصر بعبدا، لم يقدّم في واحد من أكثر الملفات حساسية، التسهيلات المطلوبة لتأمين انطلاقته فوق أرض نظيفة ومحرّرة، وبالتالي لم يضغط جدّياً على تل أبيب من أجل إلزامها بالانسحاب ضمن الروزنامة المقرّرة، إذ تبيّن عند الاستحقاق الجنوبي أنّ “شيكات الدعم” تفتقر إلى المؤونة الكافية، ما أثبت مرّة أخرى أنّ الأولوية دائماً في الحسابات الغربية هي للمصالح الإسرائيلية على حساب أي مصلحة أخرى.

وهناك مَن يلفت في هذا السياق إلى أنّ مَن يتحمّل المسؤولية الأكبر عن الخلل في التقيّد الإسرائيلي بمندرجات اتفاق وقف إطلاق النار هو الجانب الأميركي الذي يترأس لجنة الإشراف على تطبيق الاتفاق، وكان يُفترض به انطلاقاً من هذا الموقع أن يحمي نزاهة دوره وفعاليته، وبالتالي أن يدفع الجيش الإسرائيلي إلى احترام التزاماته والخروج كلياً من الأراضي اللبنانية في التوقيت المتفق عليه.

لكن ما جرى، وفق المواكبين لهذا الملف، هو أنّ تأخير الانسحاب الاسرائيلي التام، حصل بالتنسيق مع الأميركيّين وبتفهّمهم، خلافاً لما كان يُنتظر منهم، كطرف ضامن للاتفاق وداعم لرئيس الجمهورية الذي كان يتوجّب على واشنطن أن تريحه بدل أن تزيد العبء عليه عبر تغطية “الدفرسوار الإسرائيلي” في الجغرافيا اللبنانية لوقت إضافي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى