كتب عمر البردان في “اللواء”:
يبدو بوضوح أن لا أفق محدّداً للعدوان الإسرائيلي الهمجي وغير المسبوق على لبنان، بعد إعلان قادة الاحتلال الاستمرار في حربهم المدمرة على الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، توازياً مع مواصلة مسلسل الاغتيالات، وما نتج عن ذلك من كلفة بشرية باهظة وأضرار مادية فادحة، لم تعرفها جميع الحروب التي شنّها العدو ضد لبنان ومقاومته. ومع ارتفاع عداد الشهداء والجرحى إلى أكثر من خمسمائة شهيد، وما يزيد عن ألف وخمسمائة جريح، فإن كل الاتصالات التي أجراها لبنان مع الوسطاء الدوليين، لم تفضِ إلى أي نتيجة من شأنها وقف العدوان الإسرائيلي المتمادي على اللبنانيين. ما دفع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى إلغاء جلسة الحكومة، أمس، واتخاذ القرار بالتوجه إلى نيويورك، من أجل إجراء مشاورات مع العديد من زعماء العالم، سعياً للضغط على إسرائيل لوقف إجرامها بحق لبنان، والذي تجاوز كل الحدود في اليومين الماضيين، وسط مؤشرات إلى أن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من الجنون الإسرائيلي ضد المناطق اللبنانية، وفقاً لما أعلنه العديد من قادة جيش الاحتلال.
ومع اتساع رقعة الحرب الإسرائيلية على جميع مناطق الجنوب والبقاع، يجد لبنان نفسه في وضع لا يحسد عليه، في ظل إصرار جيش الاحتلال على إبعاد «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني، وتهديده المتزايد بعملية برية من أجل هذا الغرض، في وقت بدا بوضوح أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر للاحتلال، لتنفيذ العدوان الواسع على لبنان. وفيما كشف النقاب عن وجود وفود قطرية وفرنسية في لبنان، حاملة عروضاً لـ«حزب الله» لوقف العدوان الإسرائيلي، علم أن تحذيرات دبلوماسية تلقّتها بيروت في الأيام القليلة الماضية، تضمنت جانباً من الشروط الإسرائيلية، وأبرزها أن حكومة نتنياهو لن توقف الحرب على لبنان، إلّا بعد إرغام «حزب الله» على القبول بتسوية سياسية وفق شروطها، تعيد سكان المستوطنات إلى منازلهم. وهو أمر قوبل برفض «الحزب» الذي عاد وأكد أن جبهة لبنان لن تفصل عن جبهة غزة، إذا لم يتوقف العدوان على سكان القطاع.
وتشدّد مصادر متابعة، على أن إسرائيل تضع في الحسبان أن «حزب الله» سيلجأ إلى استخدام أسلحة نوعية جديدة في الأيام المقبلة، إذا تواصل العدوان على الأراضي اللبنانية، في ظل تزايد الاعتقاد لدى قادتها أن الحرب على لبنان ستكون مكلفة، ما قد يجعلها تقبل بتسوية سياسية، إذا أخفقت في تحديد أهدافها. لكن «حزب الله» ومن خلال مجريات الحرب في اليومين الماضيين، أراد إيصال رسالة إلى جيش الاحتلال، بأن أسلحة الحرب الفتاكة لم يستخدمها بعد. وأنه سيفاجئ إسرائيل بأسلحة لا تتوقعها، إذا أرادت توسيع نطاق الحرب ضد لبنان، وأنها ستدفع الثمن غالياً، إذا لم توقف حربها على اللبنانيين.
وتؤكد مصادر دبلوماسية، أن لا مبالاة واشنطن إزاء استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، شجّعت قادة الاحتلال على شنّ الحرب الهمجية ضد لبنان، ما يزيد الخشية الآن أكثر من أي وقت مضى، بأن تضرب حكومة نتنياهو عرض الحائط كل النداءات الدولية لوقف الاعتداءات على لبنان. وهذا ما أثار حالة قلق متزايد عند المسؤولين اللبنانيين، دفعت بالرئيس ميقاتي إلى السفر إلى الأمم المتحدة، ولا سيما أن بيروت تأخذ في الحسبان هذه التحذيرات أكثر من أي وقت مضى. ما استدعى رفع وتيرة الاتصالات بشكل عاجل، وإجراء سلسلة اتصالات عربية ودولية، من أجل الضغط على إسرائيل لمنعها من استكمال حربها الوحشية ضد لبنان الذي أكد التزامه في كل مناسبة، تطبيق القرار 1701، في وقت تستمر إسرائيل في خرقه، على مختلف الأصعدة.
وفي حين واصل المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان محادثاته في بيروت، أمس، وسط تساؤلات عن توقيت هذه الزيارة، وما يمكن أن تحققه من نتائج على صعيد الاستحقاق الرئاسي، وإن كانت المؤشرات لا توحي بكبير أمل في إنجاز الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت. لكن ما رشح من معلومات، يشير إلى أن جولات «الخماسية» لم تفضِ إلى أي خرق في الجدار الرئاسي حتى الآن، بسبب اصطدام أعضائها برفض المعارضة للحوار الذي يطالب به رئيس المجلس النيابي نبيه بري. وهذا ما دفع باريس إلى تكثيف حركة مشاوراتها على الخط الرئاسي، بإرسال لودريان إلى بيروت في إطار العمل لوضع الملف الرئاسي اللبناني في سلّم أولويات الجانب الفرنسي، بالنظر إلى المخاطر التي تتهدّد لبنان، في حال استمر الشغور، توازياً مع الجهود التي يبذلها الإليزيه لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. وإذ تستبعد مصادر المعارضة حصول أي تطور إيجابي على صعيد الملف الرئاسي، فإنها لا ترى موجباً لأي حوار للتوافق على انتخاب رئيس البلاد، في وقت أن أحكام الدستور واضحة بما يتصل بعملية انتخاب رئيس الجمهورية. وبالتالي فإنه لا بد من الالتزام بنصوص الدستور، وعدم سلوك طريق الحوار الذي يخالف الدستور.