كتب كمال ذبيان في “الديار”:
تزامن اتفاق وقف اطلاق النار بين لبنان والعدو الاسرائيلي الساعة الرابعة من فجر الاربعاء 27 تشرين الاول الماضي، مع بدء المجموعات المسلحة الدينية المتطرفة او ما توصف بالارهابية، هجوماً على حلب، كان سبقه قبل ساعات تحذير رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، للرئيس السوري بشار الاسد من “اللعب بالنار” كما قال، لان سوريا هي العمق القومي للبنان وممر للسلاح الى المقاومة، التي نالت دعماً من القيادة السورية في عهد الرئيس حافظ الاسد، الذي فاوض على “السلام” مع العدو الاسرائيلي في مؤتمر مدريد وما بعده، لكنه رفض التنازل عن شبر من الارض السورية المحتلة، والتزم بالقرارات الدولية، وفي الوقت نفسه كان حاضناً للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وان اختلف مع بعض فصائلها على اسلوب المقاومة واهدافها، فهو لم يتفق مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات حول ما سمي “القرار الفلسطيني المستقل”، وهو يرى ان الحرب مع العدو الصهيوني قومية ووجودية، فكان يشدد على وحدة “الجبهة الشرقية” ضد الكيان الصهيوني الغاصب.
فسوريا شكلت للمقاومة في لبنان الوطنية والاسلامية، “جبهة اسناد” في بعض الاوقات وجبهة مواجهة في احيان اخرى، فتمت معاقبتها بحصار اميركي وتباعد من بعض الانظمة العربية، بسبب موقعها القومي في الحرب مع العدو “الاسرائيلي”، والذي كان لبنان خاصرتها الضعيفة وفق وصف مصدر سياسي حليف لسوريا، فيقرأ بما حدث ويحدث فيها منذ سبعينات القرن الماضي، عندما تم تحريك “الاخوان المسلمين” ضد النظام السوري لاسقاطه، ثم في اضعاف سوريا من لبنان، بانشاء نظام سياسي معاد لها، وهذا ما حاولته “اسرائيل” اثناء غزوها للبنان صيف 1982، لكن سوريا افشلت مخططها بدعم المقاومة الوطنية.
فكل ما يجري في سوريا هو بسبب تموضعها في محور المقاومة، وزاد الضغط عليها بعد الغزو الاميركي للعراق، واسقاط نظام البعث فيه في نيسان 2003، فحضر وزير الخارجية الاميركية كولن باول الى سوريا بعد الاحتلال الاميركي، ليبلغ الرئيس بشار الاسد بانه امام خيارين: الاول ان يتخلى عن دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، واقفال مكاتب الفصائل الفلسطينية في سوريا، ومنع عبور السلاح الى حزب الله في لبنان سواء من ايران او من سوريا نفسها، واما سيكون نظامه امام خيار الاقتلاع وفرض سحب جيشه من لبنان، وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، لكن الرئيس الاسد رد بالرفض، وهو سعى الى الانفتاح على العديد من الدول، بعد وصوله الى السلطة في صيف 2000، خلفاً لوالده الراحل حافظ الاسد، لكن المؤامرة على سوريا كانت حاضرة ودخلتها.
فمنذ عقود والمؤامرة على سوريا قائمة، تأتي احياناً من انظمة عربية، واحياناً اخرى من دول خارجية، وفي مقدمها اميركا التي قررت ان تطيح بالنظام السوري بعد العراقي، وان تخرج سوريا من فلك تحالفها مع روسيا، والذي كان قائماً منذ الاتحاد السوفياتي بمعاهدة صداقة وتعاون، وان تتوقف عن دعم المقاومة والانخراط في “السلاح” الذي تأخرت عنه سوريا، منذ عقد الرئيس المصري انور السادات “اتفاق كامب دايفيد” مع العدو “الاسرائيلي” في العام 1978، ولم تقبل بشروطه في مؤتمر مدريد عام 1991 وما تلاه، فكان القرار 1559 الذي صدرعن مجلس الامن الدولي في 2 ايلول 2004، والذي توافق عليه الرئيسان الاميركي جورج بوش الابن والفرنسي جاك شيراك، وفي احد بنوده انسحاب الجيش السوري من لبنان، بعد تكوين “جبهة سياسية” في لبنان تطالب بذلك رعتها بكركي، التي تعاونت مع شخصيات لبنانية فاعلة كالرئيس رفيق الحريري ورئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” السابق وليد جنبلاط، فحصل التوتر بين الاخيرين وسوريا، بعد ان رفضا التمديد للرئيس اميل لحود، الذي كان الاسد يرغب به.
فما يجري في سوريا منذ مطلع عام 2011، ليس مرتطباً بـ”ثورة” لاصلاح النظام في سوريا، وهو امر ضروري وشرعي للشعوب كما للتنظيمات، التي تدعو الى التغيير في كل دولة، اما في سوريا، فان “الثورة” ابتعدت عن مطالبها واهدافها من سياسية الى عسكرية، وتسلقتها مجموعات اسلامية متطرفة ظهرت باسماء متعددة، كـ”داعش” و”جبهة النصرة”، وهما فرعان من تنظيم “القاعدة”، الذي تدّعي اميركا محاربته، وهي التي انشأته في افغانستان لاسقاط النظام الشيوعي وانهاء “الوجود السوفياتي” فيها، الذي سيمهد الطريق لانهياره مع منظومته الاشتراكية.
فمنذ اسبوع والعمليات العسكرية مستمرة في شمال وشرق سوريا، بين النظام والجماعات المعارضة له، والهدف هو استدراج القيادة السورية الى القبول بحل سياسي يكون للمعارضة الدور الاساسي فيه، والعمل باتفاق استانة وتطبيق القرار 2254، او مواصلة القتال بين الجيش السوري والمعارضين، وهذه المرة لاسقاط النظام، واخراج ايران وحلفائها من سوريا، ومن بينهم حزب الله، وتحويل سوريا الى دولة من الشرق الاوسط الجديد ،تقوم فيها سلطة يرأسها “ابو محمد الجولاني”، الذي هو الاقوى عسكرياً ، ويحدث كل ذلك على مرأى اميركا وغض نظر تركيا وضمور ايراني وتلكوء روسي، فانتبهت طهران وموسكو الى خطورة الوضع فتحركا عسكريا.
كما ان تركيا تريد فرض القرار 2254 على سوريا، ولذلك أعطت الضؤ الأخضر ل “هيئة تحرير الشام” للهجوم، ويشغل تركيا ايضا الاكراد (قسد)، المدعومين من اميركا التي تلتزم امن “اسرائيل”، التي شجعت على تحريك الجماعات الارهابية، لاضعاف النظام او اسقاطه كحليف لحزب الله.