تتصاعد الخلافات داخل القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ووصلت ذروتها، أمس، بالإنذار الذي وضعه رئيس كتلة “المعسكر الوطني” وعضو كابينيت الحرب، بيني غانتس، أمام رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي لوّح من خلاله بأن حزبه يقترب من الانسحاب من الحكومة.
وانسحاب “المعسكر الوطني” من الحكومة لن يسقطها، لأنها لا تزال مدعومة من أغلبية 64 عضو كنيست. لكن المحلل السياسي في صحيفة “معاريف”، بِن كسبيت، أشار اليوم، الأحد، إلى أن “حقيقة مذهلة واحدة تخيم على خطاب غانتس، أمس، وهي أن وزير رفيع في كابينيت الحرب، ورئيس أركان سابق للجيش ووزير أمن سابق، يقول ضمنيا إن رئيس الحكومة الإسرائيلية يستخدم اعتبارات سياسية داخلية خلال الحرب، بدلا من اعتبارات قومية ورسمية وأمنية”.
وانضم غانتس بذلك إلى انتقادات وجهها لنتنياهو وزير الأمن، يوآف غالانت، الأسبوع الماضي، الذي عارض فيها إقامة حكم عسكري إسرائيلي في قطاع غزة، وإلى انتقادات متكررة لعضو كابينيت الحرب، غادي آيزنكوت، ضد أداء نتنياهو خلال الحرب.
وحسب كسبيت، فإن هناك وزراء آخرين في كابينيت الحرب والكابينيت السياسي – الأمني الموسع “الذين يعلمون أن الواقع هو أن إسرائيل موجودة في حرب طويلة وصعبة وتهدد، في أي لحظة، بالانفجار والتحول إلى حرب وجود إقليمية، في الوقت الذي تُدار فيه من جانب سياسيين يفضلون اعتبارات سياسية داخلية مرتبطة ببقاء نتنياهو الشخصي على حساب بقاء الدولة”.
وأضاف أن نتنياهو تلقى من رؤساء الجيش والشاباك والموساد وشعبة الاستخبارات العسكرية، بين تموز/يوليو وتشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، “تحذيرات إستراتيجية شفهية، وتحدثوا فيها عن الوضع حينذاك، وكانت هذه تحذيرات خطيرة، على حافة الهستيريا، لكن نتنياهو تجاهلها”.
ولفت كسبيت إلى أن المخاطر التي تحدث عنها قادة الأجهزة الأمنية قبل الحرب على غزة تصاعدت. “وهم يقولون إن إسرائيل تواجه أكبر خطر داهم عليها منذ قيامها. ويمكن أن يتحول الوضع الراهن إلى كارثة حقيقية في أي وقت، إذا اشتعلت الجبهة الشمالية بكامل قوتها. وهذا أقرب من أي وقت مضى”.
وأضاف أن “كارثة كهذه يمكن أن تحدث خلال وقت مبكر أكثر مما يُخيل لنا. فالإيرانيون فقدوا الخوف، وحزام النار الذي أحاطوا به إسرائيل جاهز من حولها، والولايات المتحدة دخلت إلى فترة انتخابات وإسرائيل منقسمة داخليا، وتتمزق إربا في داخلها. وإسرائيل أشبه بحوت بدأ ينزف داخل المياه، وينجذب نحوه سرب من أسماك القرش من كافة الجهات”.
وتابع أنه “إضافة إلى ذلك هناك الوضع القابل للاشتعال في الضفة الغربية، حيث يحاول بن غفير وسموتريتش رفع الرهان والاحتكاك طوال الوقت، وكذلك العرب في إسرائيل، الذين أظهروا ضبط نفس حتى الآن لكن خيبة أملهم من غياب ضلوع للدولة وتجاهلهم هم ومشاكلهم يثير غليانا”.
وقال رئيس شعبة العمليات السابق في الجيش الإسرائيلي، غادي شَمني، لإذاعة 103FM، إنه “أعتقد أن الوضع إشكالي للغاية، ونحن ترى النتائج. فالجيش الإسرائيلي يتوحل في القطاع، ولا يفعل شيئا في الشمال وهذا بسبب عدم وجود خطة أو هدف. ونحن نرى قيادة، إذا كان بالإمكان وصفها بأنها قيادة، منقسمة ومشرذمة، لا توجد قدرة قيادية، ولا يوجد مسؤول أعلى ليقود خط سياسي. وأعتقد أنه واضح جدا أننا لن نحقق غايات الحرب التي وُضعت”.
وأضاف شمني، الذي كان قائد فرقة غزة العسكرية، أنه “سيتم استهداف حماس لكن هذا لن يؤدي إلى انهيارها عسكريا وسلطويا لأننا لا نتحدث عن ذلك. ويصعب رؤية كيف نعيد جميع المخطوفين. والحكومة فرضت علينا توحلا لسنين، مع قتلى وجرحى، وعزلة الدولة وضررا اقتصاديا شديدا. والأمر الأخطر هو التراجع في مكانة الدولة”.
وشكك شمني في إمكانية تنصيب إسرائيل بديل لحماس كي يحكم في قطاع غزة، لكنه اعتبر أن “بالإمكان المحاولة، وليس بالإمكان القول إن هذا سينجح. والبديل هو استمرار التوحل نفسه لسنوات”، لافتا إلى أن “القوات تعود مرة أخرى إلى القتال في جباليا وخانيونس وتُستهدف ثانية”.
وتابع أنه “لم يتم تحديد أهداف في الشمال أيضا، ولا توجد أي خطة. وتعين على الجيش أن يسيطر على المنطقة التي تطلق النار منها على بلداتنا. (لكن) الجيش الإسرائيلي هو جيش صغير وليس قادرا على القتال في جبهتين”.
واعتبر شمني أن “هذه الحكومة تقودنا إلى كارثة. وكان ينبغي مواصلة الضغط العسكري في القطاع والوصول بأسرع ما يمكن إلى صفقة (تبادل أسرى) حتى لو كان هذا يعني وقف القتال في الجنوب، والذي إذا لم نوقفه لن نتمكن أبدا من المواجهة في الشمال. ونحن ندخل الدولة إلى ورطة قد تنتهي بفشل ذريع”.