في وقت ندد فيه أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، بخنق البلدان الفقيرة بمعدلات فائدة “جشعة”، حذر أخيم شتاينر مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أمس، من أن مزيدا من الدول ستعاني أزمة ديون وتخلفا محتملا عن السداد مع إنفاق 25 من 52 دولة فقيرة 20 في المائة من إيراداتها لتغطية تكلفة ارتفاع الفوائد.
وقال شتاينر في مقابلة صحافية على هامش مؤتمر الأمم المتحدة الخامس للبلدان الأقل نموا، الذي تستضيفه الدوحة حتى التاسع من آذار (مارس) الجاري، “الوضع الحالي بالنسبة للبلدان النامية فيما يتعلق بالدين الوطني خطير للغاية”.
وأوضح أنه بناء على تحليل لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن “52 دولة إما تعاني أزمة ديون أو هي على بعد خطوة عن أزمة ديون وتخلف محتمل عن السداد”، وفقا لـ”الفرنسية”.
وبينما لا تسهم هذه البلدان في أكثر من 3 في المائة من مخزون الدين السيادي العام، ما يفسر “عدم اهتمام أسواق المال بالأمر بالقدر الكافي”، إلا أنها في الواقع “تمثل 40 في المائة من فقراء العالم وسدس سكان العالم”.
وبحسب شتاينر، فإن 25 من هذه الدول الـ52 “أنفقت بالفعل خمسا أو 20 في المائة من إيراداتها الحكومية لتسديد الفوائد المترتبة على ديونها”.
وقال “إنه أمر غير قابل للاستدامة لذلك، دعونا بوضوح للغاية إلى وسائل عاجلة لضخ السيولة مع إعادة هيكلة وجدولة الديون. ما لم يحصل ذلك، فقد نرى دولة تلو الأخرى تدخل في منطقة أزمة الدين هذه”.
وانتقد أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بلدان العالم الغنية والشركات العملاقة لمساهمتها في إثقال كاهل الدول الأقل نموا، التي ازدادت ديونها بأربعة أضعاف خلال عقد لتسجل نحو 50 مليار دولار 2021، عبر فرض معدلات فائدة “جشعة” عليها.
لكن يصعب تحديد إجمالي الدين الحالي، نظرا إلى أن الجزء الأكبر من الديون (60 في المائة) مستحق لجهات خاصة وبسبب بروز الصين في مجال الائتمان السيادي العام.
وتضطر عديد من البلدان إلى الاستدانة حاليا، فيما تكافح للتعافي من التداعيات الاقتصادية لوباء كوفيد.
وقال شتاينر “هناك الآن الحرب في أوكرانيا والتأثير في أسعار الغذاء والطاقة عندما يتعلق الأمر بالديون خصوصا، فإن تأثير التضخم يؤدي إلى رفع المعدلات”.
وتواجه بلدان مجموعة العشرين صعوبة في مساعدة الدول الأقل نموا في ظل الانقسامات الجيوسياسية، وبالتالي “لم يتحقق غير تقدم خجول بعد الوباء”، بحسب مدير البرنامج الأممي.
وتأخرت التنمية في بلدان إفريقية عدة، مثل: نيجيريا ومالي وبوركينا فاسو من عشرة إلى 20 عاما على وقع العنف السياسي والفشل في توفير خدمات أساسية للمواطنين تشمل الأمن والصحة والتعليم.
ولفت شتاينر إلى أن العالم يعيش بالفعل اضطرابات اجتماعية، حتى منذ ما قبل الوباء في عامي 2018 و2019. وقال “بدأ الناس يعبرون عن قضاياهم السياسية في الشوارع سواء في تشيلي أو باريس أو هونج كونج أو الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة. يسود بالفعل شعور قوي بالإحباط المرتبط جزئيا بقضايا عدم المساواة والفقر”.
وتسبب ارتفاع أسعار الوقود في “صدمة قصيرة الأمد” تركت عديدا من الدول بمواجهة صعوبات في المحافظة على الاستقرار المالي الأساس وفرضت قيودا على الميزانيات، بحسب شتاينر، فيما تكتسب مسألة زيادة الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة ومكافحة التغير المناخي أهمية متزايدة في ضوء كوارث شهدها العالم أخيرا مرتبطة بالتغير الحاد في أحوال الطقس.
وقال المسؤول الأممي: “إن قدرة البلدان الأفقر وتلك ذات الدخل المتوسط على توسيع البنى التحتية المرتبطة بالطاقة النظيفة بشكل كبير تتأثر”.
وشدد على ضرورة لعب المجتمع الدولي دور “شريك في الاستثمار من أجل مساعدة الاقتصادات الأفقر على المحافظة على قدرتها في الاستثمار بالوصول إلى الكهرباء النظيفة الميسورة التكلفة”.
وعد أن “الجانب المشرق الوحيد في الأفق هو أنه ومع الأسف، نتيجة للنزاعات والأزمات والحرب في أوكرانيا، تحولت مسألة أمن الطاقة إلى عامل مهيمن إلى حد يدفعني إلى الاعتقاد بأننا سنشهد خلال الأعوام الثلاثة إلى الخمسة المقبلة زيادة هائلة في الاستثمارات في البنى التحتية المرتبطة بالطاقة النظيفة”.
لكنه شدد على وجوب عدم التخلي عن البلدان الأقل نموا، داعيا المجتمع الدولي إلى الاستثمار في هذه الدول من أجل التوصل إلى “خفض الفقر وإزالة الكربون وتخفيف التوتر السياسي، فلا يجد التطرف السياسي العنيف طريقه إلى النجاح”.
وأكدت مسؤولة في الأمم المتحدة، أن العالم لن يكون قادرا على التعافي من سلسلة الأزمات إذا تم تناسي الدول الأكثر فقرا، داعية إلى زيادة الاستثمار العام والخاص في الدول التي تعتمد على المساعدات الدولية.
وقالت رباب فاطمة الممثلة السامية لأقل الدول نموا في المنظمة في تصريحات صحافية، إن هذه الدول التي يعيش فيها 1.2 مليار شخص “تعاني على الأرجح أسوأ تداعيات الجائحة والكوارث المناخية والحرب في أوكرانيا”.
وأضافت “لقد قضى كوفيد على التقدم المحرز في مجال التنمية، على مدى عقد أو أكثر في أقل الدول نموا، وإذا كنا نريد حقا أن نمتثل هذا الاتجاه، ولا سيما إعادتها إلى المسار الصحيح لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، علينا استثمار مزيد من الجهود والموارد في الدول الأقل نموا”.
في 2015، حددت الدول 17 هدفا من أهداف التنمية المستدامة SDGS للقضاء على الفقر وتحقيق الأمن الغذائي للجميع وتأمين الحصول على طاقة نظيفة وبأسعار معقولة بحلول 2030.
وشددت رباب فاطمة على أنه “لا يمكن تحقيق انتعاش مستدام ولا تسجيل انتصار يحتفى به من أجندة 2030 هذه، إذا تم تناسي من تخلفوا عن الركب، وهؤلاء هم أقل الدول نموا”. وفي حين تأمل حضور الدول المانحة التقليدية إلى مؤتمر الدوحة وفي جعبتها “التزامات ملموسة”، فإنها تسلط الضوء أيضا على اهتمام أفقر الدول بعدم الاعتماد كثيرا على المساعدات الحكومية للتنمية.
وشرحت أن الأزمات المتتالية خلال العامين الماضيين “أدت إلى تفاقم مواطن الضعف الموجودة مسبقا” في هذه الدول، لذلك “يجب أن نساعدها على بناء قدراتها على الصمود أمام الصدمات المستقبلية والأوبئة وغيرها”.
والهدف -كما توضح- هو “تطوير قدرات الدول الأقل نموا، حيث يتم تقليل الاعتماد على المساعدات وزيادة القدرات التجارية والاستثمارية”، وتسوق بلدها بنجلادش مثالا على ذلك.
قالت: إن بنجلادش “تمكنت من ضمان أمنها الغذائي من خلال زراعة ما يكفي من الأرز والغذاء لإطعام 165 مليون شخص، وطورت الخدمات والقطاع الصناعي، وصارت ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم”.
ومثلت 15 دولة أخرى في طريقها للخروج من مجموعة أقل الدول نموا، يتوقع أن تحقق بنجلادش ذلك الهدف 2026. ودعت رباب فاطمة الدول إلى تشارك هذه التجارب الناجحة، لأنه “مع توقع تقلص حجم المساعدات في المستقبل، سيكون محتوما عليها بناء قدراتها الخاصة”.
وقالت: إن ما يثبت وجود “إمكانات” لدى أقل الدول نموا هو تمثيل القطاع الخاص من دول الشمال والجنوب بقوة في مؤتمر الدوحة.
وأشارت إلى أن “القطاع الخاص لا يأتي لتمويل أعمال خيرية، إنه موجود للقيام بأعمال تجارية”، مسلطة الضوء على الموارد الطبيعية لهذه الدول الإفريقية أغلبها، لكن كذلك على رأس المال البشري المتمثل في النسبة الكبيرة من السكان الشباب.
وقالت المسؤولة في الأمم المتحدة: “إن هذا يمنحنا الأمل. آمل في اجتياز هذه الفترة من الأزمة غير المسبوقة، من المهم ألا نستسلم”.
ويعتزم البنك الدولي تقديم أكبر قدر ممكن من التيسير في معالجة الديون للاقتصادات المتعثرة، بحسب ما أكده ديفيد مالباس، رئيس البنك، في اجتماع مع صندوق النقد والهند والصين والدول الدائنة الأخرى أخيرا.