تأكيد الإسلام على الرخاء الاقتصادي بقلم الأستاذ هادي سروش

 

شفقنا – ان الجانب المعاشي والجانب المالي من الحياة من ضرورات حياة الإنسان التي لا مفر منها، ولا شك أن أي حدث اقتصادي ونقص مالي له تأثير سلبي على أخلاق الفرد والمجتمع، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.

تأكيد الإسلام على الرخاء الاقتصادي

ومن لديه أدنى معرفة بالأسس الدينية يعلم أن الإسلام يؤكد على الرخاء الاقتصادي للمسلم والمجتمع الإسلامي، وحتى في بداية الإسلام، عندما كانت الظروف الاقتصادية صعبة للغاية، ذكرت إحدى نعم الله في سورة قريش؛ وهي الظروف الاقتصادية الإيجابية للمسلمين؛” الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ”.

ولذلك أمر الإسلام بأمور بحيث يحفظ المجتمع من آفات الجوع، ولا يعاني من آثار الجوع السيئة، كالكفر وانعدام الأخلاق. وسأذكر بعضا من تلك الأمور:

1) الجهد الاقتصادي

في نظر نبينا العزيز ان “الجهد الاقتصادي” هو عبادة ذات فضيلة، وأفضل العبادة أن يحاول الإنسان الحصول على رزق حلال وإيجابي.

قال الإمام الصادق (ع): «اَلْكَادُّ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ حَلاَلٍ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ».

2) ضرورة التحلي بالحكمة في الاقتصاد

إن الاقتصاد اليوم وإدارة الحياة ليستا أمورا عادية، ويجب اتخاذ التفكر والتشاور والتأمل سبيلا عند النظر في مختلف جوانبها، وكذلك الاخذ بتجارب الآخرين، لأن اقتصاد اليوم معقد جدا، وعلينا أن تكون خبراء ومحنكين لنتمكن من كسب المال الحلال؛ وفي عصرهم وبما أن الاقتصاد لم يكن معقدا وكانوا يتعاملون بالدرهم والدينار، لكن أهل البيت (ع) أمروا الشيعة المؤمنين أن يتقنوا الأمر ويعقلوا ويفكروا.

يقول الإمام الثامن (ع): “اَلْكَمَالُ كُلُّ اَلْكَمَالِ … وَتَقْدِيرُ اَلْمَعِيشَةِ”.

3) الاهتمام بالجانب المعنوي في الاقتصاد

الاهتمام بدور الجانب الإلهي والغيب في الاقتصاد والحياة

وباعتباره المركز الأعلى للجانب الإلهي والغيب، فإن القرآن يوجه انتباه الناس إلى الجهد والاهتمام بالمواهب والعقلانية إلى الاهتمام بالغيب والمساعدة الإلهية.

والآية 96 من سورة الأعراف مهمة في هذا الصدد:

«ولَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‌ آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ». وهذه الآية من أهم آيات القرآن الكريم. وهي من الآيات التي تشجع الكثير من الناس وتمنحهم الطاقة الإيجابية في الحياة.

لماذا يهتم الدين بحياة مريحة للمواطنين؟

انها حقيقة إذ يقال؛ لقد أظهر الإسلام، الذي وردت نظريته في القرآن وأحاديث النبي (ص) والعترة (ع)، حساسية لمسألة الاقتصاد والمعيشة، ويسعى إلى حياة أسهل، وأفضل.

لكن لماذا؟ هل الإسلام دين مادي 100%؟ لا. بل ستجد الجواب في الروايات التالية، والتي كلها تدور حول قضية مفادها أن الضغط الاقتصادي والمشقة وفرض الفقر على الناس يجعل المجتمع يفقد إيمانه وأخلاقه وتقدمه الروحي.

في نهج البلاغة؛ اعتبر الفقر والعوز الموت الأكبر؛ “ اَلْفَقْرُ الْمَوْتُ الاَكْبَرُ “. (الحكمة 163) فهل تتوقع الأخلاق والحركة المعنوية من الميت؟!

أما فيما يتعلق بإدانة الفقر والبؤس الاقتصادي، فاعلموا أن أمير المؤمنين (ع) يعتبر الضغط الاقتصادي للفرد والمجتمع هو سبب الانحدار العلمي والثقافي للفرد والمجتمع؛ “والْفَقْرُ يُخْرِسُ الْفَطِينَ عَنْ حُجَّتِهِ”. (الحكمة 3)

وفي عبارة أخرى يقول الإمام علي (عليه السلام) وهو رئيس الحكومة الدينية؛ ان الضغط الاقتصادي يسبب سقوط التدين وتراجع العقلانية عند الناس وانتشار حالات انعدام الاخلاق في المجتمع! وقال عليه السلام: “ فَإنَّ الْفَقْرَ مَنْقَصَةٌ لِلدّينِ! مَدْهَشَةٌ لِلْعَقْلِ، دَاعِيَةٌ لِلْمَقْتِ!”. (الحكمة 319).

كل هذا التركيز في نهج البلاغة على مسألة الرفاهية في حياة الناس وغياب الفقر والضغوط الاقتصادية هو من تعاليم رسول الله الأعظم (صلى الله عليه وسلم).

وعليكم أن تتأملوا جيدا هذا الدعاء النبوي المهم والصريح الذي رواه المرحوم الكليني:

اللّهُمَّ بارِك لَنا فِي الخُبزِ، ولا تُفَرِّق بَينَنا وبَينَهُ؛ فَلَولاَ الخُبزُ ما صَلَّينا ولا صُمنا، ولا أدَّينا فَرائِضَ رَبِّنا! ” (الكافي ج 5 ص 73).

والنبي الذي وصل إلى منزلة “ مَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ” يعني أنه وصل إلى أعلى درجة من القرب من الله. والنبي الذي هو “النفس الرحمانية”. والنبي الذي طبق عليه الخلق الأول. والنبي الذي هو أشرف البشر كافة وسيد المرسلين وخاتم الأنبياء؛ هذا النبي يتحدث عن الخبز.

مسؤولية الحكومة الدينية في ترتيب حياة مزدهرة للشعب

ولم يقتصر نبي الرحمة على الدعاء من أجل الرفاهية الاقتصادية للمجتمع، بل أصدر في خطبته الرسمية الأخيرة في مسجد المدينة المنورة بعض التعليمات إلى ولاة الحكومات الدينية، بما في ذلك مسألة التعامل مع الأحوال المعيشية واحتياجات مواطني المجتمع الإسلامي.

يصرح؛ “ أُذَكِّرُ اَللَّهَ اَلْوَالِيَ مِنْ بَعْدِي عَلَى أُمَّتِي أَلاَّ يَرْحَمُ عَلَى جَمَاعَةِ اَلْمُسْلِمِينَ… ولَمْ يُضِرَّ بِهِمْ فَيُذِلَّهُمْ، ولَمْ يُفْقِرْهُمْ فَيُكْفِرَهُمْ… ” 

لقد اتمت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كل الحجج في كل مدينة وقرية، حتى كل وكيل ووزير وحاكم.

وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الضغط الاقتصادي يسبب انعدام الاخلاق والكفر في المجتمع. فهل تسمع الأذن السامعة كلام النبي هذا؟

وأستغرب كيف يتجاهل مسؤول يفتخر بنفسه حقيقة تسمى التأثير المباشر للفقر والضائقة الاقتصادية على الأخلاق، وفي الجماعة والجمعة، في الوزارة، وفي المكتب، وفي الرئاسة، يصدر وصفة حول محورية الأخلاق للجياع!! أتمنى أن يفهموا أن الأب الذي يعاني في إدارة المنزل فان القضايا الأخلاقية مثل الصدق والأمانة واحترام الشرف واللغة المهذبة والرصانة وما إلى ذلك تصبح مستحيلة ومضحكة. ولا شك أن عبء فجور المجتمع يقع إلى حد كبير على عاتق من يفرض الفقر على المجتمع، ذلك ان النبي (ص) وفي الخطبة الأخيرة؛ وقد حذر الحكومة الدينية صراحة من خلق الفقر وذكر أن الفقر مرادف للذل والكفر! ويقول الاستاذ مطهري: “الإسلام لا يريد فقط ألا يعاني المرء من مشاكل اقتصادية، بل يريد أيضا أن يمتلك من الثروة بحيث يقوم بأعمال كبيرة”.

أجل! ان المجتمع الذي يعاني من سوء إدارة المسؤولين المعنيين، الذين بطونهم ممتلئة إلى أقصى الحدود؛ لا يمكن فصله عن شيطان الفقر، انه حق لمواطني أي بلد إسلامي في التمتع بالحد الأدنى من الحياة المتوازنة. وإذا كان الأمر كذلك، فلن يجربوا أبدا غبار الغربة على المُثُل الأخلاقية.

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-26 01:58:28
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version