بيئة “الحزب” تلوِّح بأشكال جديدة من المقاومة

بيئة "الحزب" تلوِّح بأشكال جديدة من المقاومة

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

ليس في يد لبنان أي ورقة ضغط حقيقية لدفع إسرائيل إلى الانسحاب من المناطق التي تحتلها في الجنوب، بانتهاء مهلة الـ60 يوماً. لكنه يراهن على نهج الرئيس دونالد ترامب الذي يستعجل إنهاء الحروب في الشرق الأوسط بغية إطلاق الصفقات. فهل سيكون هذا الرهان في محله لإنقاذ لبنان؟

في الأيام الأخيرة، صدرت عن إسرائيل و«حزب الله» مواقف ضبابية تتعلق بتصور كل منهما لما بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً. فالإسرائيليون يناورون بتسريب مروحة معلومات متناقضة، تبدأ بالتطمين إلى أنّ الانسحاب سيتحقق كاملاً ووفقاً لاتفاق وقف النار، وتنتهي بالتهديد بالبقاء جنوب الليطاني، بذريعة أنّ «حزب الله» لم ينسحب تماماً، وأنّ الجيش اللبناني لم يتسلّم الأمن هناك منفرداً حتى الآن. كما أطلق الإسرائيليون مواقف أخرى ملتبسة، ومنها أنّهم سينسحبون لكنهم سيحتفظون ببضع نقاط استراتيجية محاذية للخط الأزرق، من أجل تسهيل رصدهم الميداني للمنطقة.

في المقابل، يبدو «الحزب» محرجاً في التعاطي مع اتفاق وقف النار وتمادي إسرائيل في استغلاله. فهو يخشى إخلاء الجنوب نهائياً قبل التأكّد من أنّ إسرائيل لن تستغل هذه الفرصة للتوسع مجدداً، وبسهولة. لكنه في الموازاة يتجنّب منح إسرائيل ذريعة لاتهامه بتعطيل الاتفاق، ثم تأليب الولايات المتحدة وحلفائها عليه، واستغلال هذا الظرف لتوسيع الضربات مجدداً وتكثيفها في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، علماً أنّ عمليات القصف والنسف لم تتوقف منذ 27 تشرين الثاني.

واللافت هو السيناريو الذي بدأ تداوله في شكل مكثف داخل بيئة «حزب الله» في حال عدم انسحاب الإسرائيليين، وهو الأول من نوعه.

يقول القريبون من «الحزب»: إذا بقي احتلال إسرائيلي لأرض الجنوب، بعد انتهاء المهلة، فستكون هناك بالتأكيد مقاومة له. وقد تتحرّك هذه المقاومة تحت أشكال وتسميات جديدة، بمعزل عن ارتباطها تنظيمياً بـ«حزب الله» أو عدم ارتباطها به.

ويستند هذا التصوّر إلى أنّ العمل المسلح ضدّ إسرائيل سيكون مشروعاً، لأنّه يرتكز إلى القوانين الدولية التي تقول بحق استخدام أي شعب لكل أشكال المقاومة، بما فيها المسلحة، إذا تعرضت أرضه للاحتلال.

وسط هذه الضبابية والتناقضات، ينتظر لبنان يوم 26 كانون الثاني على صفيح ساخن. والتحدّي الأكبر هو ما ستفعله الحكومة اللبنانية التي يُتوقع تشكيلها قبل هذا الموعد، والقرار الذي ستُكلّف الجيش بتنفيذه. فهذه الحكومة تتعرّض، قبل أن تولد، لضغط واضح من جانب «الثنائي الشيعي» لكي تأخذ على عاتقها إلزام إسرائيل بالانسحاب الكامل. وفي المقابل، هي تتعرّض للابتزاز الإسرائيلي: إما أن تتصرّفوا بحزم لإرغام «حزب الله» على إخلاء جنوب الليطاني ونشر الجيش، وإما أن نأخذ على عاتقنا نحن القيام دائماً بضرب المواقع، كما يحصل حتى اليوم، ويبقى انسحابنا الكامل رهناً باستكمال هذه المهمة.

طبعاً، الحكومة اللبنانية ليست محايدة في هذه المسألة، وهدفها إعادة الجنوب محرّراً كما كان قبل «حرب المساندة». لكن لبنان لا يمتلك القوة التي تسمح له بالتمادي في مواجهة إسرائيل، في ظل الانهيار ونتيجة للحرب المدمّرة. وستحاول الحكومة الاستفادة مما تملكه من أوراق، وأبرزها العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة التي أعلنت بوضوح رغبتها في انسحاب إسرائيل السريع والكامل. لكن واشنطن التي ترأس لجنة المراقبة، هي أيضاً الداعم الأكبر لإسرائيل منذ نشوئها.

ويخشى البعض وقوع الجانب اللبناني في وضعية الإرباك عند انتهاء المهلة. فيبدو لبنان الرسمي وكأنّه فشل في ضمان انسحاب إسرائيل الذي يطالب به «الحزب». ومن جهتها، تعلن إسرائيل أنّ لبنان الرسمي لم يفِ بالتزامه نشر الجيش في كامل المنطقة الواقعة جنوب الليطاني.

المعلومات المتوافرة تفيد أنّ لبنان الرسمي، أي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف وحكومة تصريف الأعمال، يكثف الاتصالات في الداخل ومع الولايات المتحدة وفرنسا، لوضع الجميع في الصورة وتدارك الوصول إلى الحائط المسدود فجأة بعد نحو أسبوع.

حتى الآن، المَخرَج الأسهل في نظر الجميع هو تمديد المهلة شهراً أو اثنين، لعل ظروفاً تطرأ وتسمح بتجاوز المطبّات المنتظرة. لكن هذا التريث ليس العلاج الأفضل في نظر ترامب المستعجل إنهاء الحروب في الشرق الأوسط والدخول في مناخ التسويات والصفقات. ولذلك، سيجد اللبنانيون أنفسهم أمام خيار احتياطي اضطراري، وهو أن يتفاهموا سريعاً وبصراحة مطلقة على كل ما يتعلق بالجنوب والحرب والسلاح، وأن يتجنّبوا التذاكي ونصب الأفخاخ المتبادلة التي لا أحد سينجو منها، وستكون أكثر تدميراً للبلد من الحرب نفسها.

 

Exit mobile version