الجمهورية- عماد مرمل
على وقع انتظار نتائج المساعي الخارجية الرامية إلى فكّ عقدة الاستحقاق الرئاسي بعد تعطّل المسارات الداخلية، اقتحم الستاتيكو المحلي اقتراح من خارج السياق، يقضي بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، تعيد «هندسة» المجلس وخلط أوراقه. فما هي قابليته للتحقق؟
قبل أيام خرج نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من اجتماع مع الرئيس نبيه بري ليطلق بدوره «أرنباً» في براري الأزمة السياسية، قوامه الدعوة إلى تنظيم انتخابات مبكرة، وذلك بعد مرور نحو عام وشهر على ولادة المجلس الحالي.
ربما هذه هي المرة الأولى التي يبادر فيها مسؤول رسمي إلى وضع مثل هذا الاقتراح قيد التداول العلني، ولكن العارفين يكشفون انّه سبق أن تمّت مقاربته في بعض الغرف المغلقة خلال الفترة السابقة، وانّ هناك من لوّح به أمام دوائر ضيّقة، في معرض التفتيش عن معالجة لمأزق الشغور الرئاسي.
لكن، وبمعزل عن توقيت الطرح ومكانه، فإنّ السؤال المطروح هو: هل حصول انتخابات نيابية مبكرة ممكن إذا استمر العجز عن انتخاب رئيس الجمهورية، ام انّ القوى السياسية ليست في هذا الوارد مهما طال أمد الفراغ؟
على الأرجح، انّ اغلب القوى الداخلية لا يناسبها ان تخضع، بعد مرور عام واحد على الانتخابات الأخيرة، الى اختبار ثانٍ للتمثيل الشعبي، مستندة الى قاعدة «عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة»، لاسيما انّ من فاز بكتل وازنة قد لا يستطيع مجدداً تحصيل مثلها او أكبر منها، بفعل تبدّل الظروف والتحالفات خلال سنة، إضافة إلى انّ معظم الجهات ليست جاهزة مادياً ولوجستياً لتحمّل كلفة خوض الامتحان مجدداً.
وهناك من يلفت أيضاً الى انّ إجراء الانتخابات النيابية على أساس القانون نفسه سيعيد تلقائياً إنتاج تعقيدات المجلس الراهن، حتى وإن اختلفت الأحجام قليلاً هنا أو هناك.
بمعنى انّه مهما اتسع او ضاق هامش التعديل في أوزان الكتل النيابية، فإنّ اي «محور» لن يتمكن في نهاية المطاف من الفوز لوحده بـ 86 نائباً، اي بالنصاب الإلزامي لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية في الدورتين الأولى والثانية، وبالتالي ما دام «الاكتفاء الذاتي» لن يكون متوافراً عند أحد، فإنّ الأزمة ستتجدّد ولو بشكل آخر.
ويعتبر أصحاب هذا الرأي، انّ المطلوب تعديل قانون الانتخاب، أقلّه في اتجاه إقرار صوتين تفضيليين بدل الواحد، إذا كان يُراد لأي انتخابات جديدة ان تفرز معادلة مغايرة عن تلك السائدة راهناً.
وإزاء الصعوبات التي تعترض مبادرة بو صعب، ترجح اوساط مراقِبة أن يكون دورها تحفيزياً للحضّ على إنجاز الاستحقاق الرئاسي والضغط في هذا الاتجاه، اكثر منها للتنفيذ العملي على أرض الواقع.
ولكن، كيف يفسّر صاحب الاقتراح حقيقة أبعاده ومراميه؟
يؤكّد نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لـ«الجمهورية»، انّ اقتراحه القاضي بإجراء انتخابات نيابية مبكرة هو من بنات أفكاره شخصياً ونسَبها السياسي يعود إليه حصراً، نافياً ان يكون طرحه موحى او موصى به من قِبل الرئيس نبيه بري او «حزب الله»، «كما افترضت بعض المخيلات».
ويوضح انّ ما دفعه الى اطلاق هذا الطرح هو حجم الاستعصاء في عملية انتخاب رئيس الجمهورية، مشيراً الى أنّ كل ما أراده ان يرمي حجراً في المياه الراكدة لكسر المراوحة وإنتاج دينامية تساهم في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، «وبالتالي هذه هي فقط حدود اقتراحي، ولا يجوز تحميله وزناً زائداً من التأويلات والتفسيرات التي لا علاقة لها بالحقيقة».
ويضيف بو صعب مفنداً الأسباب الموجبة لطرحه: «لا الحوار ممكن حتى الآن بسبب رفض البعض له، ولا الانتخاب متيسّر نتيجة التوازن السلبي في مجلس النواب، وهناك من يهمس بأنّ المجلس الحالي قد لا يستطيع اختيار الرئيس حتى انتهاء ولايته. فهل المطلوب ان نبقى مكتوفي الأيدي وأن نقف متفرجين على الشغور المتمادي وتداعياته من دون أن نحرّك ساكناً؟».
ويلفت الى انّ الانتخابات المبكرة ليست اختراعاً البارود، «وهناك دول كثيرة تلجأ الى مثل هذا الخيار عندما تواجه مأزقاً سياسياً أو تدور في حلقة مفرغة، وانا طرحت فكرة للنقاش ليس إلاً، خصوصاً انّ من واجب المسؤول محاولة اجتراح حلول ومخارج، وليس الاكتفاء بتوصيف المشكلات ومراقبتها».