بماذا سنُجيب ترامب عن «أوراق القوة»؟
كتب عبد الغني طليس في “اللواء”:
لم تكن دول العالَم ولا رؤساؤه في حاجة إلى تحليل «البَهدَلة» الاستعراضية التي نالها الرئيس الأوكراني زيلنسكي، كلاماً ولُغةَ جسدٍ من الرئيس الأميركي ترامب ونائبه، لتستنتج أن الولايات المتحدة دخلَت مرحلةَ فرْضِ ما تراه نظاماً عالَمياً جديداً، بالقوّة الخشنة التي تعبّر عن الصلف والطاووسية، وتُجْبِر على الالتزام بها.
وفي حين كانت المواقف الحادّة والفاصلة من هذا النوع في العالَم تُخاض في غُرف مغلَقة، أشبَه بما كنا نسمّيه منطق المؤامرة السريّة، صارت الأمور تجري أمام عدسات الإعلام العالَمية، وليكن ما يكون.. ذلك أن الأميركي انتفَت عنده الحاجة إلى المسايرة والمُداهنة وأخْذ الرضا من المعنيّين بأي قضية في نواحي «الأرض» التي تهمّه، وبات وجهاً لوجه يطلُب ويلَبَّى وممنوع الاعتراض!
لكن زيلنسكي، على مرارة وضعه وفقدان السيطرة على حيثيات المفاجأة التي أعدّها ترامب لهُ، كان «رجُلاً» بالمعنى الشعبي المباشَر في عالَمنا العربي. تصدّى بالقدَر المطلوب، ودافعَ عن وجهة نظره، لكن كان مدركاً تماماً أنه أمام «ربّ البيت» الذي حمَاهُ وأوقفه على قدميه في مواجهة روسيا، فكان أميَل إلى لملمة الانزلاق الذي أوصلَه إليه ترامب ونائبه، ومع ذلك قيل أن ترامب «طردَه» من البيت الأبيض قبل انتهاء اللقاء هو وفريقه من المسؤولين الأوكرانيين. ولعلّ منظر السفيرة الأوكرانية بين الحاضرين في صفوف الإعلام تبكي بخَفر عميق وألم خانق، أعطى الصورة المأساوية كلياً لما حصل.
قبل «بَهدَلة» ترامب ونائبه هذه، كان الرئيس الأميركي تصرف بفوقية ولامبالاة مع الرئيس الفرنسي بشأن الحرب في أوكرانيا ودور أوروبا فيها، وتصَرّف بسخرية فاقعة مع رئيس الوزراء البريطاني الذي كان يتحدث معه عن أهمية التضامن في تلك الحرب، عندما سأله، مع رفعة أنف اشتُهر بها: «وهل تستطيعون إكمال الحرب من دوننا؟»… فتجاوز رئيس الوزراء البريطاني السؤال بابتسامة كانت ملآنة بجواب واحد هو لا.
زيلنسكي كان الثالث بعد الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا، وكلهم فهموا أن موضوع الحرب في أوكرانيا انتهى، وعلى زيلنسكي أن يوقّع إتفاقية المعادن النادرة بين بلده الغنية بها، وأميركا، لردّ جميلها الذي تجسّد في ثلاثمائة مليار دولار وأطنان الأسلحة والذخائر، ولم يعرف زيلنسكي أن «ينتصر» ولا كيف يقود الحرب إلى هدفٍ مُتاح!
سأله ترامب «ماذا تملك من أوراق القوّة؟» فقدّم جوابا فضفاضاً لا يستند إلى قوّة معيّنة يستطيع بها أن يواصل الحرب ولا أن ينهيها لصالحه.
الشعوب العربية، وزعماء دوَل العرب تخيّلوا الموقف نفسه لأنفسهم مع ترامب ونائبه. سيُسألون جميعاً «ما هي أوراق القوة التي بأيديكم لكي تواجهوا إسرائيل إذا رفضَت خطتكم المزمعة لحل قضية غزّة في أرضها، وأصرّت على تهجير الفلسطينيين إلى بعض دولكم العربية.. وهذا أساساً مشروعي أنا لا مشروع نتنياهو؟».
لا بدّ هنا من تذَكُّر جُملة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أواخر أيامه بعدما أدرك الدور الأميركي في تظهير وتلطيف صورة الإخوان المسلمين خلال تظاهرات ما سمّاه الإعلام الأميركي «الربيع العربي»، قال: «المتغطّي بأميركا عُريان»! لكن المشكلة الكبرى كانت أن مبارك تحقق من ذلك في نهايات عهده لا في بداياته أو منتصفه. وحتى لو أدرك الحقيقة قبل ذلك، ما كان ليستطيع أن يفعل شيئاً وهو يرى المساعدات المالية والمعنوية تُقيم بلده وشعبَه المصري من تحت شظف العيش ومرارة الديون. فالقاعدة الأميركية الشهيرة بأنهم يتخلّون عن حلفائهم حين يضعفون، ليست جديدة أو إبنة اليوم، بل قديمة والشواهد عليها أكثر من أن تُحصى. ولعلّ نهاية شاه إيران ضائعاً بين الدول، وهو الذي كان يد أميركا في الخليج العربي، فرفضَت أميركا استضافته حتى مريضاً، والرئيس المصري آنذاك أنور السادات كان وحيداً في مبادرته نحوه فأفسحَ له سريراً يموت عليه!
أتكلم عن العرب، ولا أنسى أبداً لبنان إذا سُئل السؤال نفسَه: «ما هي أوراق القوة لديكم أمام قرارات نتنياهو للبنان؟».