بلديات الضاحية بلا «سيتي بلو»: حِمْل يفوق الإمكانات

راجانا حمية- الأخبار

يعود عمّال «سيتي بلو» إلى العمل، إلا أن هذا لا يعني عدم توقفهم عنه مجدداً مطلع الشهر المقبل، ما يعني أن بلديات الضاحية الجنوبية لبيروت على موعد جديد مع تحمّلها مسؤولية جمع النفايات من الطرقات، فهل تملك هذه الأخيرة القدرة والإمكانات للقيام بكل الخطوات، من الكنس إلى اللمّ والجمع والنقل؟

أربعة أيامٍ بلا “سيتي بلو” في ضاحية بيروت الجنوبية. لا يمكن تخيّل المشهد في ذلك المكان الذي استحال بين ليلة وضحاها مكبّاً كبيراً للنفايات. المارّ، خلال تلك الأيام، في الشوارع الداخلية لمناطق الضاحية كان سيصطدم عند كلّ مفترق بمكبّ نفايات استحدثه السكان هناك. مكبات على مدّ العين والنظر، إذ لم تعد محصورة فقط بالنقاط التي كان يحدّدها اتحاد البلديات سابقاً قبل نقلها إلى مطمر الكوستابرافا.

قبل حلول الأزمة، كان اتحاد بلديات الضاحية قد حدّد عشر نقاطٍ ضمن المنطقة كمكباتٍ كبيرة “مركزية”، يتكفّل بنقل نفاياتها إلى المطمر. ومع توقّف عمّال شركة “سيتي بلو” عن العمل بسبب عدم تقاضيهم لرواتبهم، أضافت البلديات 5 نقاطٍ أخرى ضمن نطاقاتها الجغرافية، لعدم قدرتها على نقلها إلى المكبات المستحدثة أصلاً.
خلال الأيام الأربعة الماضية، قامت البلديات بما كانت تقوم به شركة “سيتي بلو”. صحيح أن عمال شركة “سيتي بلو” قد أعلنوا أمس عودتهم إلى العمل، إلا أن توقفهم عنه، الذي بات شهرياً، يعني أن الضاحية على موعد جديد مع انتشار النفايات في الشوارع، وبلدياتها مع مهمة طارئة تقوم على الكنس واللمّ والجمع والنقل، فهل تملك هذه الأخيرة القدرة والإمكانات للقيام بكل الخطوات؟

ما يمكن فعله
لا يختلف الجواب من بلدية إلى أخرى، إذ تقود كلّ الإجابات إلى خلاصة واحدة مفادها أن “البلديات غير قادرة على حمل هذا العبء”، يقول رئيس اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، محمد ضرغام. وهذا واقع تعيشه البلديات اليوم “وينسحب على المستقبل”، يضيف ضرغام. لذلك، كان وفد البلديات إلى رئاسة الحكومة، أول من أمس، حاسماً في مطلبه “حلّوا أزمة السيولة ولا تحمّلوا البلديات ما لا طاقة لها عليه”، يكمل زهير جلول، نائب رئيس بلدية برج البراجنة.

ما تفعله البلديات اليوم هو “ما تقدر عليه”، يقول جلّول. لكن، هذه القدرة محدودة بوقت، وربما كانت البلديات أعلنت الاستسلام لو لم يعد عمال “سيتي بلو” إلى أعمالهم. فخلال الفترة الماضية، واجهت البلديات صعوبات كبيرة، إذ لم تكن قدراتها اللوجستية والبشرية تتناسب مع مشروع رفع النفايات. وهذا أمر حاسم، بحسب جلّول. فبالنسبة إلى الطواقم البشرية، يشير الأخير إلى أنه خلال أزمات النفايات، تستعين كل بلدية بموظفيها، إن كان في وحدة الأشغال أو في أية وحدة أخرى “يمكنها المساعدة”، فيما تسدّ النقص بـ”استئجار عمال”، وهو ما فعلته في الأيام الأخيرة بلدية برج البراجنة. أما بالنسبة إلى المعدّات، ففي الغالب تخسر البلديات هذا الرهان، إذ إن جلّ ما تستخدمه هذه الأخيرة “بوبكات وبيك آب”، فيما المطلوب اليوم للانخراط في مشروعٍ بهذه الضخامة آليات ومعدّات من نوعٍ آخر، حيث تواجه البلديات معضلة تأمين معدّات أخرى للعمل “كالجرافات والشاحنات الكبيرة خصوصاً أن بعض المكبات الكبيرة تحتاج إلى هذا الأمر”، على ما يقول جلّول. وحتى اللجوء إلى معداتٍ مغايرة لتلك الموجودة في البلدية دونه عقبات وأكلاف، إذ إن “ما يمكن أن تنقله عربات “سيتي بلو” دفعة واحدة قد يحتاج منا إلى شاحنتين أو أكثر لأن شاحنات الشركة مزوّدة بمكبس وهو ما يضاعف حمولتها، على عكس الشاحنات العادية”، يقول ضرغام، مشيراً إلى أنه “في الوقت الذي تستطيع فيه شاحنة “سيتي بلو” حمل 13 طناً من النفايات مثلاً، تبلغ سعة الشاحنة العادية 7 إلى 8 أطنان”. وهو ما يرتّب جهداً ووقتاً، خصوصاً “إذا ما أخذنا في الاعتبار كمية النفايات اليومية والتي تبلغ بحدود 680 طناً”، يقول ضرغام، ويضيف إليها جلول “الزيادة التي تحدث في العادة خلال شهر رمضان، كما الزيادة التي تتأتّى اليوم من ضم منطقة حي السلّم إلى نطاقنا كما يحدث خلال أزمات النفايات”. وهي نسبة يقدّرها جلول بـ300 طن، “لتصبح الكمية اليومية 1000 طن من النفايات”. كلّ هذا ما يرتب أكلافاً مضاعفة.

الكلفة المادية
بالأرقام، يتحدث ضرغام عن بدلاتٍ تدفعها اليوم البلديات ولم تكن في الحسبان، ومنها استئجار المعدات. ويعطي مثالاً هنا أن “أجرة الشاحنة يومياً لا تقل عن 250 دولاراً أميركياً والجرافة حوالى 350 دولاراً أيضاً”، من دون احتساب الأكلاف المتعلقة باستئجار العمال.
كل ذلك يحدث فيما البلديات لم تتقاضَ فلساً واحداً من الصندوق البلدي المستقل منذ عام 2019. وهي إن كانت تحتاج إلى تلك المبالغ اليوم لسدّ حاجات حالات الطوارئ، إلا أنها لم تعد تفي بالغرض، إذ لا تزال تحتسب على أساس دولارٍ تبلغ قيمته 1500 ليرة لبنانية. وفي هذا السياق، يشير جلول إلى “أن مستحقات بلدية برج البراجنة لدى الصندوق تبلغ بحدود ثلاثة مليارات ليرة لبنانية، يُحسم منها مستحقات شركة سيتي بلو بحدود النصف، فيما يبقى النصف لنا”. هذا النصف بحسابات الدولار اليوم، يبلغ بحدود 80 ألف دولار أميركي. وإذا ما أخذنا بحسابات رئيس الاتحاد محمد ضرغام حول كلفة كل يوم في مشروع جمع النفايات، والتي يقدّرها بعشرة آلاف دولار، يعني عملياً أن الـ80 ألفاً تكفي لثمانية أيامٍ فقط للنفايات!
وعلى خط أزمة سيتي بلو ـ رامكو والدولة اللبنانية ومصرف لبنان، تبلّغت المصارف التي تتعامل معها شركتا “سيتي بلو” و”رامكو”، أمس، قرار مصرف لبنان برفع سقف السحوبات من 10 ملايين إلى 4 مليارات ليرة.

Exit mobile version