بلا توافق كيف يحكم سلام بثقة نيابية هزيلة وتعطيل نيابي؟

هذا ما تفرضه الواقعية السياسية في معالجة تشكيل الحكومة

بلا توافق كيف يحكم سلام بثقة نيابية هزيلة وتعطيل نيابي؟

كتب غاصب المختار في “اللواء”:

كان يُفترض أن تصدر أمس، وفي مهلة قياسية خلافاً لتشكيل حكومات لبنان في السنوات السابقة الحكومة الأولى في عهد الرئيس جوزاف عون، بعد تكليف الرئيس نواف سلام يوم 13 كانون الثاني الماضي تشكيلها، أي في أقل من شهر (24 يوماً)، مسترضياً بعض الأطراف السياسية والكتل النيابية لكن وفق معاييره، كثنائي أمل وحزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية، وتيار المردة أيضا برغم موقف التكتل الوطني أمس الرافض «للإنحياز وإستنسابية وإزدواجية المعايير». ومتجاوزاً قوى وكتل أخرى مثل التيار الوطني الحر والأرمن والتكتلات السنية الثلاثة (التوافق والاعتدال واللقاء التشاوري) فارضاً عليها الحقائب والوزراء المخصصين للطائفة السنية. بينما خرج بعض تجمعات «نواب التغيير» والمستقلين راضياً وبعضهم الآخر ممتعضاً.

لكن طريقة الرئيس سلام بتشكيل الحكومة أزعجت الكثير من القوى السياسية ففشل الاجتماع الرئاسي الثلاثي أمس بإستيلاد الحكومة بسبب الخلاف على الوزير الشيعي الخامس إضافة الى تعقيدات أخرى تتعلق بكتل نيابية ترى انها لم تأخذ حقها بالتوزير، لكنه بكل الأحوال حاول فرض معاييره وشروطه التي أعلنها أمس الأول من القصر الجمهوري ونجح الى حدٍّ كبير، «حكومة إصلاحية متجانسة لتكون منتجة من وزراء اختصاصيين، ولا إمكانية للتعطيل فيها أي لا ثلث ضامناً أو معطّلاً لأي طرف، وعدم الخضوع لشروط القوى السياسية ومعاييرها، ولا تمثيل حزبياً فيها لمنع الاشتباك السياسي في معالجة الملفات المطروحة والتي يثير بعضها شهية القوى السياسية لا سيما التعيينات في المؤسسات الرسمية على اختلافها».

وفي حال تم تجاوز العقد القائمة وتشكيل الحكومة وهو الأمر المتوقع آخر المطاف، يبقى أمام الحكومة الجديدة تجاوز امتحان منح الثقة بنسبة أصوات نيابية وازنة قريبة أو أكثر من نسبة الأصوات التي حصل عليها الرئيس سلام في استشارات التكليف (84 صوتاً)، وإلّا ستكون ثقة هزيلة إذا لم تمنحها للحكومة الكتل التي خرجت مستاءة من مشاورات التشكيل وهي التي سمّت سلام خلال استشارات التكليف لترؤس الحكومة، مخالفة الاتفاق الذي جرى على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي ترؤس حكومة فترة السنة وثلاثة أشهر لحين إجراء الانتخابات النيابية.

كما وبقي إنجاز بيان وزاري متوازن يُرضي كل الأطراف ويكون قابلاً للتنفيذ في شقّيه، السياسي المتعلق بموضوع السلاح والمقاومة والاستراتيجية الدفاعية وتطبيق باقي بنود اتفاق الطائف، والشق الإصلاحي السياسي والإداري والاقتصادي والمالي وهولا يقل صعوبة عن الشق السياسي نظراً لتداخل السياسة والمحسوبيات والانتماءات بالمال والاقتصاد والإدارة.

والأهم أكثر، الشق الخارجي الإقليمي الذي سيواجه الحكومة بعد الحرب ومعالجة نتائجها الاعمارية والمالية، وبعد المتغيّرات التي حصلت في وضع المنطقة من سوريا الى العاصفة الهوجاء التي تسببت بها تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد لقاء رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو، حول «السيطرة على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين وإعادة توطينهم في مصر والأردن ودول أخرى منها لبنان»، والتي قوبلت برفض فلسطيني وعربي وأوروبي وأميركي ودولي، نظراً لمخاطرها، وتجاوزها الحقوق القومية والمشروعة للشعب الفلسطيني.

أمام الحكومة متى أبصرت النور تحدّيات وصعوبات محلية وخارجية في كيفية التعامل معها من دون توافق سياسي واسع تؤمّنه للحكومة الكتل النيابية، لا سيما إذا استمر الضغط الأميركي على العهد وسلام لإستبعاد حزب الله، وما لم يحصل سلام على ثقة نيابية معقولة ستواجه الحكومة عقبات وتعطيل من دون وجود الثلث المعطّل فيها.

هذا الوضع يفرض على العهد الجديد والرئيس سلام مقاربة الأمور بواقعية أكبر وعدم «سلق» الإصلاح والتغيير المطلوبين بطروحات قابلة لنقاش صعب ان يصل الى نتائج مرضية وحاسمة مع القوى التقليدية صاحبة النفوذ والتمثيل السياسي والشعبي الواسع من دون رضاها، وهذا الوضع لن يتغيّر من دون انتخابات نيابية جديدة توصل طبقية سياسية جديدة إصلاحية بحق وتغييرية بحق لا طبقة سياسية سطحية انتقامية تحمل شعارات استهلاكية لا قدرة لها على تحقيقها. والانتخابات التي يُمكن أن تأتي بمثل هذه الطبقة بحاجة لقانون انتخابي إصلاحي لا تقليدي ولا انتقامي استبعادي، ولا يمكن إعداده بيوم وليلة ولا بعدّة الشغل الموجودة حاليا والتي تفرضها توازنات دقيقة سياسية وشعبية – طائفية.

والواقعية السياسية تفترض أيضاً من القوى السياسية التقليدية التي أيّدت الرئيسين عون وسلام أو حتى التي لم تؤيّدهما، تسهيل انطلاقة العهد الجديد رئيساً وحكومة طالما ان رئيس الجمهورية أصبح في موقعه بصورة شرعية ودستورية ويحمل آمالاً كبيرة للبنانيين، لا سيما وإن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة أو غير مطلقة وهو محكوم بمواد دستورية تقيّده في كثير من الأمور التي تعيق تنفيذ برنامجه الرئاسي ما لم تتعاون معه القوى السياسية والكتل النيابية، والأمر ذاته ينطبق على رئيس الحكومة والحكومة. وإلى أن يحصل التغيير المطلوب عبر الانتخابات النيابية بخلق طبقة سياسية جديدة رصينة إصلاحية بحق، مطلوب من الجميع التوافق ووقف التجاذبات والتشفّي ومحاولات الانتقام والإقصاء.

Exit mobile version