كتبت وفاء بيضون في “اللواء”:
أكثر من أسبوعين على إعلان الجيش الإسرائيلي بدء العملية البرية داخل الأراضي اللبنانية المحررة، وما زالت وقائع الميدان تشي بأن الفرق العسكرية الأربع التي دفع بها الاحتلال لا تزال تراوح على مساحة مئات الأمتار في جميع المحاور التي يحاول التوغل منها. في وقت تؤكد الوقائع الميدانية أن الدفاع المرن والتكتيك العسكري الميداني الذي تتبعه المقاومة قد أدّى حتى اللحظة إلى وقوع عشرات القتلى من ضباط العدو وجنوده؛ بالإضافة إلى عشرات الجرحى. أكثر من عشرين دبابة ميركافا لم تتمكن من اجتياز الأمتار المئة عند الحافة الأمامية رغم كثافة الغارات والقصف المدفعي على طول الجبهة الممتدة من أقصى القطاع الشرقي إلى أدنى القطاع الغربي.
ومع أن الجيش الإسرائيلي رسم خريطة طريق تحدث فيها عن توغل محدود لأغراض عسكرية بحتة، إلّا أن الوقائع تثبت أنه يحاول الوصول الى ما هو أبعد من التلال المشرفة، وأبعد من جنوب نهر الليطاني.
هذا بالتقديرات الإسرائيلية، أما في تقدير المقاومة فإن ما يجري شكّل استنزافا حقيقيا لوحدات الجيش الإسرائيلي، ولا سيما أن معركة مثلث القوزح – رامية – عيتا الشعب وحده كلّف الإسرائيليين أكثر من مئة إصابة بين قتيل وجريح. وعليه، تقول أوساط استراتيجية متابعة، إن عجز الاحتلال سيدفع به إلى التراجع قبل ارتفاع عدد القتلى في صفوفه وتدمير آلياته. في وقت ترى أوساط أخرى أن الاحتلال مع كل إخفاق ميداني يحاول التعويض بالغارات العشوائية في أكثر من منطقة لبنانية تحت مزاعم باتت مستهلكة وإن تنكّر لها الاحتلال.
من هنا، كانت العناوين العامة للإطلالة الثالثة لنائب الأمين العام لـ«حزب لله» الشيخ نعيم قاسم، مشابهة لعناوين الخطابين السابقين، بدءا من رفع معنويات البيئة الحاضنة بعد الإحباط الذي أصابها نتيجة الضربات المتكرّرة، ولا سيما بعد اغتيال الأمين العام السيد حسن نصر لله، وصولا إلى التأكيد على استعادة المقاومة عافيتها وترتيب صفوفها، مع توفير البدائل، وبدائل البدائل، للقادة الذين تم اغتيالهم في الأسابيع الأخيرة المنصرمة.
وتقول المصادر المطّلعة إن مواقف الشيخ قاسم بدت هذه المرة متقدمة، ولو أن البعض خرج منها بانطباع أنّ الحزب لا يزال متمسّكاً بالترابط مع جبهة غزة، انطلاقا من قول الشيخ قاسم مرة أخرى، إنّ لبنان لا يمكن فصله عن فلسطين وتداعيات حرب غزة عليه.
وبين طيّات الكلام تتابع المصادر، أن ما أراد قاسم توجيهه من رسائل، قد اختصرها حديث نائب الأمين العام لـحزب لله عن مرحلة جديدة في إشارة إلى الانتقال من عنوان المساندة والدعم، إلى عنوان المواجهة الذي فرضه العدوان الإسرائيلي على لبنان، وهو عنوان يمكن أن يتفرع منه عنوان آخر، هو إيلام العدوّ، أي ما زال لدى المقاومة الكثير من المفاجآت التي لن تتحمّلها إسرائيل، في تكتيك جديد يوحي بأن المقاومة سترسم معالم المرحلة الجديدة، وربما يفضي ما سينتج عن وقائعها حلاً ما يتأتّى عن تطورات المشهد الميداني.
كلام قاسم لاقاه كلام مماثل لعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل لله الذي اختار مجلس النواب ليطلق من تحت قبته مواقف تظهر رؤية «حزب لله» للمرحلتين القائمة والقادمة، على ما أسماه ثوابت الحزب المرتكزة على عناوين منها ميداني ومنها سياسي له علاقة بإيلاء مهمة التفاوض والوصول إلى حل عبر رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والوزراء نجيب ميقاتي وحكومته المساندة، أولا وآخرا لحماية لبنان وحفظ مقاومته بوجه أي تهديد عدواني مستقبلي.
وبموازاة هذه الرسائل التي وجّهها حزب لله، والتي يستشف منها تخلّيه عن الضوابط والقيود التي كبّلته على مدى الأشهر الماضية، وربما تعميم نموذج عملية «بنيامينا» الأخيرة في حيفا، تستمر الضربات المؤلمة والموجعة للاحتلال ومواجهته بكل الوسائل المشروعة والمتاحة. العدوان والذي كان من ضمن مسلسله الغارات التي استهدفت مدينة النبطية، فضلا عن تجدّد الغارات على الضاحية الجنوبية بعد توقف دام لأيام، ما يطرح أكثر من سؤال حول كيفيّة انعكاس معادلات المقاومة الجديدة على الأرض، وهل يمكن القول إنّ مقاربته للحرب قد تغيّرت فعلاً وكل هدف داخل الاحتلال هو في مرمى الوسائط الصاروخية ولا سيما ان الإعلام الحربي في الحزب مرّر بدوره رسائل تبدأ بنصر 1 وقادر 2 ولا تنتهي بمفاجآت منتظرة على صعيد القوة الصاروخية؟
بالخلاصة يمكن الاستنتاج مما تقدّم، أن الحزب لم يستوعب صدمة الاغتيالات فحسب، ولكنه تصرف أيضا أنّه أصبح في زمن الحرب، وعليه يستوجب التركيز على المرحلة المقبلة لإحداث تحوّلات ميدانية تفرض على الاحتلال وقفا مشرّفا لإطلاق النار بدل التسويق الذي بات يلوح به كثيرون من اخصام «حزب لله» على الساحة اللبنانية، أن القادم من المستقبل السياسي سوف لن يشمل الحزب، في تماهٍ واضح مع رؤية واشنطن التي روّجت لها سفيرة أميركا في لبنان.