منذ توقيع اتفاق الطائف لم يسمع اللبنانيون إلا وعودا لم يتحقق منها شيء فيما يخص موضوع الكهرباء، فالحال من سيء إلى أسوأ والعتمة باتت تلف بيوت اللبنانيين دون زعمائهم. في ظل خطط يطاح بها من قبل الحكومات المتتالية لمعالجة الأزمة دون نية حقيقية في المعالجة. توازيا مع انتشار المولدات الخاصة واستحكامها برقاب اللبنانيين ان كان عبر التسعيرات الخيالية أو عبر ساعات التغطية وكل ذلك دون حسيب أو رقيب.
إلى أن عصفت الكارثة الإقتصادية الأخيرة وأطاحت قطاع الكهرباء مع كل ما يشكله من رافعة أساسية لأي خطة تعافي اقتصادي، إذ وصل إنتاج شركة كهرباء لبنان اليوم الى ما دون 500 ميغاوات بالاعتماد على وقود حصلت عليه عبر صفقة مع العراق الصيف الماضي، والتي جرت برعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم إذ ضمنت توفير مليون طن من زيت الوقود الثقيل بالسعر العالمي على أن يكون السداد بالخدمات والسلع الطبية.
إلى ذلك باتت شركة كهرباء لبنان تعتمد بشكل كلي على نفط العراق مع عدم توقيع حاكم مصرف لبنان لأي اعتمادات جديدة لشركة كهرباء لبنان بسبب وصول احتياطي العملات الأجنبية إلى المستوى الإلزامي، ناهيك عن عدم قدرة الشركة على تأمين قطع غيار لتصليح الأعطال نظرا لعدم قدرتها على تأمين الدولارات فريش.
ومع دخول المازوت الإيراني الى لبنان، سارعت السفيرة الأميركية دورثي شيا الى إبداء إستعداد واشنطن على وضع خطتين منفصلتين تشمل الأردن وسوريا ومصر لمساعدة لبنان في احتواء أزمة الطاقة الكهربائية، مع استثناءات تشمل كل من عمان والقاهرة من عقوبات قيصر. على أن يتم نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سوريا، كما سيتم نقل الغاز المصري إلى لبنان عبر الأردن وسوريا ضمن إطار خط البترول العربي، علمًا أن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز، مع تأكيد مدير دائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، ان مساعدة الحكومة اللبنانية في معالجة أزمة قطاع الكهرباء تتصدر جدول أعماله، مبديًا استعداده للمساعدة في مواجهة التحديات بهذا القطاع.
ومنذ نحو أسبوع، بدأت الخطة الأمريكية الأولى في التجلي عبر توقيع لبنان اتفاقيتين مع كل من الأردن وسوريا، لتزويد بيروت بجزء من احتياجاته من الطاقة الكهربائية من الأردن عبر الشبكة الكهربائية السورية، بحضور كل من وزير الطاقة اللبناني وليد فياض ووزير الكهرباء السوري غسان الزامل ووزير الطاقة والثروة المعدنية الأردني صالح الخرابشة.
وتتضمن الاتفاقيات تزويد بيروت بنحو 150 ميغاواط كهرباء من منتصف الليل وحتى 6 صباحًا و250 ميغاواط خلال باقي الأوقات من أجل وضع حلول لأزمة الكهرباء في لبنان. اذ ان من المتوقع أن تدخل هذه الاتفاقيات حيز النفاذ خلال شهرين، إلا أنها لن تقدم سوى ساعتين إضافيتين من التغذية الكهربائية.
وفي سياق متصل طلب الرئيس ميقاتي في لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مساعدة تركيا في مجال الطاقة الكهربائية، لنظرًا لأن ساعات الكهرباء التي يؤمنها الاتفاق مع الأردن وسورية غير كافية و لبنان يحتاج أكثر من ذلك. فكان وعد من أردوغان بدراسة هذا الأمر مع إمكانية عودة البواخر التركية لتغذي المعامل في لبنان وبتكلفة متدنية.
وفي غمرة انشغال مجلس الوزراء بدراسة مشروع الموازنة، تم تعليق المادة 13 من المشروع والمتعلقة بطلب السلفة لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان لمزيد من الدرس، الى ان اعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم ان “موضوع سلفة الكهرباء سيكون خارج الموازنة المرسلة الى مجلس النواب نحن نريد خطة واحدة متكاملة للكهرباء ولن نوافق على أي سلفات”.
وكان وزير الطاقة والمياه وليد فياض أكد على أن “الهدف أن تكون سلفة الكهرباء دعماً للقطاع من أجل النهوض فيه للعمل بشكلٍ مستدام على مختلف الأصعدة وأدعو الجميع إلى التزام خطة الكهرباء”، مشيرا إلى أن الهدف الأساسي هو تأمين حلّ موقّت يكون أفضل من الكلفة التي يتكبّدها المواطنون للمولّدات الخاصة.
وكان فياض قد أعد مسودة خطة قائمة على أربع أركان، الأول منها يكون عبر زيادة زيادة القدرة الإنتاجية إلى نحو 1000 ميغاواط بالاعتماد على الفيول العراقي بمعدل 60 ألف طن شهرياً لإنتاج 400 ميغاواط، واستيراد الغاز من مصر بمعدل 650 مليون متر مكعب سنوياً لإنتاج 400 ميغاواط، و استجرار الكهرباء من الأردن بنحو 200 ميغاواط. علما ان لبنان يحتاج الى ما يقارب 3500 ميغاواط من الإنتاج الكهربائي لينعم بالكهرباء على مدار الساعة.
والركن الثاني من خطة فياض تقوم على تحسين خدمات التوزيع عبر تعزيز فعالية عقود شركات مقدمي الخدمات، بما يؤدي إلى تقليص خسائر مؤسسة كهرباء لبنان من 40% إلى 20% خلال خمس سنوات. والاستثمار في شبكات التوزيع وإزالة التعديات.
أما الركن الثالث فهو زيادة التعرفة إلى ما معدّله 20 سنتاً لكل كيلوواط وربطها بأسعار النفط العالمية وتقلبات سعر الصرف لتغطّي تدريجياً الكلفة الإجمالية المترتبة على مؤسسة كهرباء لبنان، وبشكل مخطط له لتقليص مفاعيلها على الأسر الأكثر هشاشة. علما انه في الوقت الراهن يكلف يدفع المستهلك سنتا واحدا لكل كيلوواط مع تكلفة تتجاوز الـ 14 سنت.
بينما الركن الرابع فيقوم على تحسين الأداء المالي لمؤسسة كهرباء لبنان من خلال تعزيز عملية الفوترة والجباية.
هذه الخطة ستؤمن للمواطنين ما نسبته 58% من استهلاكهم من كهرباء الدولة ونسبة 42% من مولد الاشتراك.