كتب كمال ذبيان في “الديار”:
بعد عام على اطلاق مبادرته “للحوار والانتخاب” في ذكرى تغييب الامام السيد موسى الصدر، يعيد الرئيس نبيه بري تفعيلها من جديد وفي الذكرى نفسها، وهو يراها طريقا للوصول الى انتخابات رئاسة الجمهورية، وتمر من مجلس النواب وليس من اي مكان آخر، ورفضها “المكون المسيحي” لا سيما الماروني منه سلوكها، فعلق رئيس مجلس النواب العمل بها، لانه يريد ان تحضر كل شرائح المجتمع السياسي والطائفي اللبناني الحوار حول رئاسة الجمهورية ، التي لم يخرج بري عن الدستور، فعمل بموجبه ودعا وفق المادة 49 منه الى اول جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية من منتصف ايلول 2022 وقبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بشهرين. لكن في تلك الجلسة لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية، وكانت قوى ما كان يسمى 14 آذار رشحت النائب ميشال معوض للرئاسة، والذي لم يحظ على الثلثين في الدورة الاولى وعلى مدى جلسات، في وقت لم يطرح فريق 8 آذار مرشحه للمنافسة، وكان سمى رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية للرئاسة الاولى.
فالجلسات 12 التي دعا اليها بري لم يحصل فيها انتخاب رئيس، وكان آخرها جلسة 14 حزيران 2023 ، التي تنافس فيها كل من مرشح “المعارضة” التي اصطف معها “التيار الوطني الحر” ، ورشحت الوزير السابق جهاد ازعور الذي نال 59 صوتا، وخاضت قوى محور المقاومة المعركة بمرشحها فرنجية فنال 51 صوتا. ومنذ ذلك الحين لم يدع بري الى جلسة انتخاب، وهذا ما كانت تطالبه به المعارضة بان يفتح مجلس النواب لجلسات متتالية، لا ان يكتفي بالدورة الاولى ويرفع الجلسة كما فعل على مدى 12 جلسة. وكان رد بري وحلفائه بانه لو استمر مجلس النواب مفتوحا للجلسات المتتالية ، فان اي مرشح لن يفوز برئاسة الجمهورية، لان اصوات الكتل النيابية باتت معلومة كيف هي موزعة، الا اذا حصل تحول فيها او داخلها باتجاه مرشح ما، وتأمنت الاكثرية في الدورة الاولى والنصف زائد واحد في الثانية.
وافرزت الجلسات 12 للانتخاب جمودا رئاسيا بعدها، سوى من حراك لكتل نيابية طرحت مبادرات، فأيد “اللقاء الديموقراطي” برئاسة النائب تيمور جنبلاط الحوار، وانتقل الى الوسطية بعد ان اصطف مع المعارضة في تأييد ازعور، فوافق على مبادرة بري. ومثله فعلت كتلة “الاعتدال الوطني” التي طرحت مبادرة “التشاور والانتخاب”، وليّن “تكتل لبنان القوي” موقفه وايّد الحوار، وانفتح رئيسه جبران باسيل على عين التينة، وخفف من خطابه السياسي المرتفع ضد بري، الذي لاقى تحول باسيل بايجابية، لان ما يهمه ان يحصل “توافق مسيحي” حول مبادرته كما يقول لزواره، وهو لن يدعو الى حوار اذا لم تكن كل المكونات موجودة. ودعوته للحوار ليست الاولى، وهو اول من افتتح طاولة حوار في مجلس النواب مطلع آذار 2006 وفي ذروة الانقسام السياسي الداخلي، وسبق ذلك ان اقام “تحالفا رباعيا” في الانتخابات النيابية عام 2005 بعد ثلاثة اشهر من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وكان الشارع منقسما واشعال فتنة سنية – شيعية يعمل لها، واغتيال الحريري كان يصب في هذا الاتجاه.
من هنا، فان بري الذي جدد دعوته للحوار والانتخاب، ليس لانه متمسكا بمبادرته ولا طريق غيرها، بل لان التجارب اثبتت ان التوافق بعد الحوار كان يخرج لبنان من ازماته، وتقام له التسويات منذ العام 1943 حتى اتفاق الطائف وبعده الدوحة، والآن تعمل “اللجنة الخماسية” على توافق اللبنانيين، وتشجع على الحوار بينهم، وفق ما ينقل زوار عين التينة عن بري، الذي يعلم التأثير الخارجي في الوضع الداخلي اللبناني، لكنه يسعى الى “لبننة الاستحقاق” اذا استطاع الافرقاء اللبنانيون ذلك، وهذا لا يتم دون حوار، والا فان الازمة الرئاسية مفتوحة الى اجل غير مسمى، وستدخل عامها الثالث بعد حوالى شهر ونصف الشهر، والبعض يراهن ويؤكد ان هذا المجلس قد لا يتمكن من انتخاب رئيس للجمهورية. وجاءني يقول بري من يطالب بحل مجلس النواب والدعوة الى انتخابات نيابية مبكرة، وان صاحب هذا الطرح نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب، الذي ابلغه بري بالتريث والانتظار، لربما يحصل انفراج داخلي او تأثير خارجي بحل الازمة.
فلن يدعو بري لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية، لانه لا يرى انها ستفيد اذا بقي توزع الكتل ومواقفها على ما هي عليه، ولا احد يستطيع المزايدة عليه في ممارسة صلاحياته الدستورية، وان من يطالبه بجلسات متتالية فقدم اقتراحه حوار فانتخاب، وهو يصب في ما يطالب به البعض، كما ينقل زوار عين التينة، الذين يؤكدون ان بري بات متفائلا اكثر بالموقف المسيحي الذي يقترب من مبادرته سواء “التيار الوطني الحر” او بكركي، التي وصله منها كلام ايجابي لجهة حرص بري ان يكون الحوار طريق الانتخاب، وبانه احترم عدم موافقة الاقطاب الموارنة على مبادرته فعلق العمل بها، وان موقف “القوات اللبنانية” لا سيما ما جاء في كلام رئيسها سمير جعجع لجهة الحوار يمكن البناء عليه لجهة مرونته، وهذا متوقف على الآلية التي تراها “القوات” التي تؤكد على الانتخاب دون الحوار في مجلس النواب، كيلا يصبح ذلك عرفا مفروضا، وهذا غير مطروح عند بري، لان الظروف هي التي تتحكم بالوضع السياسي والحوار ثم الانتخاب، وهو الذي فرضته الظروف وليس اكثر.