بري لهوكشتاين: لماذا تريد “بيع جلد الدب قبل اصطياده”؟
غادر بيروت دون أجوبة حول امتناع أو تأجيل حزب الله للردّ
كتب ابراهيم ناصر الدين في “الديار”:
لماذا استعجل المبعوث الاميركي عاموس هوكشتاين العودة الى المنطقة، دون انتظار تبلور التفاهمات حول الحرب في غزة؟ هل حمل معه جديدا يمكن الركون اليه لاستعادة الهدوء على الجبهة الجنوبية؟ وهل حصل على ما يريده من جولته المكوكية؟
كانت “الكلمة” المفتاح في جولته على المسؤولين اللبنانيين قوله” ان الرئيس الاميركي جو بايدن طلب منه العودة الى “اسرائيل” ولبنان قبل بدء التفاوض حول “الصفقة” المفترضة اليوم حول غزة في الدوحة”. والترجمة العملية لهذه العبارة، كما تقول اوساط مطلعة، ان هوكشتاين ومن ورائه واشنطن لا يملكان جديدا يقدمانه للطرف اللبناني لوقف جبهة المساندة، وما كان قد طرحه سابقا عاد وكرره بالامس مع اضافة جديدة، عنوانها ان الامور قد تصل الى نقطة اللاعودة، اذا لم يجر تخفيض للتصعيد الخطر، اي بمعنى آخر يجب الا يرد حزب الله على اغتيال القائد فؤاد شكر، بانتظار ان تتبلور طبيعة المفاوضات التي ستستانف اليوم، وقد تأخذ المزيد من الوقت، وهذا يتطلب “عقلانية” في التعامل مع الاحداث والتطورات، ريثما تتضح الصورة اكثر.
وتقول الاوساط اذا تمت الصفقة فهو سيعود مجددا لبلورة اتفاق يبدو ان طريقه سهل وسلس، اذا بقيت الاوضاع على نسقها التصعيدي الراهن، اما اذا ما خرجت الامورعن السيطرة، قد يصعب حينئذ السيطرة على ردود فعل “الاسرائيليين”، ويدخل لبنان في اتون حرب لا يمكن التكهن ابدا بنتائجها الكارثية.
ووفقا لتلك الاوساط، عندما أكد الموفد الاميركي خلال جولته على المسؤولين اللبنانيين ان “الحل الديبلوماسي ما زال ممكنا الوصول اليه لاعتقاده ان احدا لا يريد حرباً شاملة بين لبنان وإسرائيل”، كان يراهن على نجاح بلاده في الضغط للتوصل الى وقف للنار في غزة، مما سيساهم حتما في وقف وتيرة التصعيد في الجنوب، وعندئذ يمكن الانطلاق لتطبيق القرار 1701 باعتباره القرار الذي يشكل ضمانة للاستقرار، وباعتباره مقدمة للتفاهم على النقاط العالقة، او ما يسميه الاميركيون ترتيبات “اليوم التالي” الذي يمكن التوصل اليها بجهد ديبلوماسي بسيط، اذا كان التوتر منخفضا والاجواء هادئة.
واذا كان من التقاهم هوكشتاين في بيروت قد توافقوا معه على ان “مفتاح الحل” يكمن في وقف اطلاق النار في غزة، الا انهم لم يسمعوا منه اي مؤشر ملموس بضمان نجاح الضغوط الاميركية على رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو لوقف الحرب، وهم لم يسمعوا منه ايضا كيف ستوقف بلاده الصراع في المنطقة، اذا كانت غير قادرة على فرض تسوية تقوم على “حل الدولتين”. وفي هذا السياق، لم يقدم اي “خارطة طريق” لكيفية ترجمة ذلك على ارض الواقع، خصوصا ان الولايات المتحدة غارقة في موسم انتخابي “غير تقليدي”، والادارة الحالية مشلولة. ولهذا فُهم ممن التقاهم ان ما تريده واشنطن الآن هو خفض مستوى التصعيد، دون الوصول الى حلول جذرية، ودون الوصول الى حرب شاملة، بانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الاميركية؟!
وفي هذا السياق، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري صريحا امام هوكشتاين، وابلغه ان احدا في المنطقة لا يريد التصعيد الا “اسرائيل” غير الخاضعة للمساءلة، والامر لا يحتاج الى الكثير من عناء التفكير لخفض منسوب التوتر، عندما توقف العدوان على قطاع غزة ولبنان تنتهي “القصة”. لكن بري ابدى قلقه الشديد من عدم قدرة واشنطن على منع نتانياهو من القيام بخطوات تصعيدية ترجمت على ارض الواقع بعمليتي الاغتيال في الضاحية الجنوبية وطهران، تزامنا مع استمرار المجازر “الاسرائيلية” اليومية التي ترتكب ضد الأطفال والمدنيين في قطاع غزة، وهي اعمال مقززة كفيلة بنسف اي تفاهمات ممكنة. وقد سأله بري مباشرة ” هل انتم قادرون الآن على منعه من استكمال الحرب، والامتناع عن استفزاز القوى الاخرى في المنطقة”؟
طبعا، لم يقدم هوكشتاين اي جواب حاسم، واكتفى بالاشارة الى ان ادارته تضغط على نحو كبير لانجاح “الصفقة” في غزة ويهمها خفض التصعيد، وان حشدها العسكري لمنع الحرب وليس المساهمة في اندلاعها. لكنه في المقابل، لم يحصل على اجابة في بيروت حيال امتناع حزب الله عن الرد على اغتيال القائد فؤاد شكر، سواء لجهة الموعد او حجم الرد، حيث المح الى ضرورة عدم القيام باي فعل يمكن ان ينسف مفاوضات غزة، لان اي طرف سوف يصعد سيتحمل مسؤولية وضع العقبات امام التسوية المفترضة.
وقد فهم هوكشتاين من خلال محادثاته في عين التينة والسراي الحكومي، ان حزب الله يرفض اعطاء اي ضمانة في هذا السياق، وهو يرفض اي ضغوط مهما كان شكلها، سواء كانت “الجزرة او العصا”، وهو يتعامل مع واشنطن باعتبارها طرفا في العدوان على المنطقة، لا وسيطا نزيها، ولهذا ليست في موقع الضامن لاي تفاهم مفترض. والضغط الوحيد المطلوب في هذه اللحظة هو على نتانياهو لوقف الحرب على غزة، ودون ذلك لا كلام مع الاميركيين حول اي شيء.
ولهذا لا ينتظر “الاسرائيليون” سماع اي جديد من هوكشتاين، والتهويل الذي نقله من “تل ابيب” حول احتمالات التصعيد، “بضاعة” لم يجد من يشتريها لبنانيا. وفي الاطار نفسه، لم يحصل هوكشتاين على جواب حول احتمالية ان تلغي طهران وحزب الله الرد المرتقب، اذا نجحت بلاده في وقف النار في غزة، وقال له بري صراحة “انت تفاوض على حق شرعي ومكتسب وتحرق المراحل، فلماذا تفاوض على بيع جلد الدب قبل اصطياده؟ اذهب واقنع “اسرائيل” بوقف حمام الدم، وبعد ذلك عد مجددا لطرح الاسئلة”؟!
في الخلاصة، لم يكن مفاجئا ان هوكشتاين جاء الى العنوان الخاطىء بحثا عن خفض التصعيد، فعدم ارتفاع حدة التوتر قبيل الانتخابات الرئاسية مسؤولية نتانياهو وليس اي احد آخر، ومفتاح النجاح عنوانه غزة وليس شيئا آخر. لا شيء تغير ما بعد زيارة المبعوث الاميركي، العيون شاخصة الى الدوحة حيث “مصداقية” واشنطن امام اختبار جديد. اما الملف الوحيد المتفق عليه فهو ملف التمديد لمهام “قوات اليونيفل” الذي سيمر دون عقبات؟!