برنياع ضد هاليفي… وسر اغتيال العاروري؟
زاهر أبو حمدة
مما لا شك فيه أن دولة الاحتلال تتمتع بمنطق ديمقراطي مؤسساتي، لكن بعض المؤسسات لا سيما الجيش تضغط على النظام أي أصحاب القرار بأيدٍ أميركية واضحة لوقف الحرب. وهنا يمكن القول إن “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة وإسرائيل تريدان وقف الحرب، من دون تهشيم صورة الديمقراطية والقرار المؤسساتي في الدولة. لذلك أتى قرار المحكمة العليا إلغاء التعديلات القضائية أو ما عُرف بـ”قانون الحد من المعقولية”، كجزء من الضغط على بنيامين نتنياهو، بعدما قررت المحكمة استئناف محاكمته في قضايا فساد في شباط المقبل، وكذلك النظر بدعوى عزله.
أما ما طفى على السطح خلال الأسابيع الماضية، يتعلق بالجيشين الأميركي والإسرائيلي أنه حان الوقت كشيفرات يجب أن يفهمها نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة. فمسألة تسريب خبر سحب المدمرة “فورد” من البحر المتوسط وعودتها إلى سواحل فيرجينا، بلا بيان واضح من البنتاغون، وكذلك خبر أن واشنطن ترفض مد الاحتلال بطائرات “الاباتشي”. يضاف إلى ذلك أن جيش الاحتلال يحتاج للتذخير ومخازنه تفرغ من السلاح. طبعاً، هذا الأمر فيه مبالغة كبيرة لأن الجيش يُصنع جزءاً من أسلحته وذخيرته إضافة إلى أن المخازن الأميركية في فلسطين المحتلة (غير معروفة العدد) يحق لجيش الاحتلال استخدامها وقتما شاء وفقاً للاتفاقات بين البلدين.
وتزامن ذلك مع رفض رئيس الأركان هرتسي هاليفي، حضور اجتماعات مجلس الحرب وقراراه سحب ألوية من ساحة المعركة في غزة. لا بل توجه هاليفي، نحو سياسة الضغط الشعبي على الحكومة فبدأ بتسريب معلومات أن الجيش هو من قتل مدنيين في غلاف غزة في 7 اكتوبر، وأنه أجرى تحقيقاً يؤكد أن عناصره قتلوا أسرى إسرائيليين في الشجاعية مع أنهم رفعوا الرايات البيضاء وصرخوا “أنقذونا” بالعبرية وكذلك الاعتراف بقتل أسرى بغارات جوية داخل غزة، وأن نيراناً إسرائيلية قتلت جنوداً. مضحك الأمر ومثير للدهشة: كيف لجيش في ظل الحرب الاعتراف بهكذا أمور ولا يؤجلها حتى تقف المدافع. وتابع الجيش تسريباته المقصودة ومنها المُفبرك، مثل أن جندي قُتل بعد جرحه جراء فطريات، وكأن غزة منطقة موبوءة يجب الخروج منها. ألا يوجد لهذه الفطريات دواء؟ غريب. ومن ثم ينشر خبراً: جندي أصابته الكوابيس في عسقلان فأطلق النار على زملائه في أحد المنتجعات أثناء فترة استراحة. وبعدها تشير الأخبار أن الجيش اعتقل جندياً قتل أسيراً فلسطينياً، وأن جندياً أخراً خطف طفلة فلسطينية بعد استشهاد أهلها. والمستغرب أكثر أن “كاميرا” جنود وثقت استغاثات زملائهم في المعركة ومن ثم هيئة البث الإسرائيلية نشرتها على الهواء. هذه الأخبار والصور والفيديوهات تُنشر على الرغم من الرقابة العسكرية وقت الحرب، لتأليب أهالي الأسرى والجنود للاستمرار في التظاهر بقوة وزيادة ضغط المؤسسات الحقوقية أيضاً. هي لعبة من هاليفي ومعه عضوي مجلس الحرب بيني غانتس وغابي أيزنكوت؛ والثلاثة محسوبون على واشنطن ومن المحتل أن يستقيلا الجنرالين من المجلس في مرحلة لاحقة. واستطاع نتنياهو، أن يجعل له غالبية في مجلس الحرب المخول اتخاذ قرارات من دون العودة للكنيست، عبر فرض وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وهو “صبي نتنياهو” المدلل، إضافة إلى حليفه الموثوق وزير الأمن يوآف غالانت.
وسط الانقسام في مجلس الحرب، رفض نتنياهو أن يجتمع رئيس الموساد ديفيد برنياع مع غانتس، لمعرفة ماذا يجري في مفاوضات الأسرى وكذلك اليوم التالي بعد وقف الحرب. ومن المهم الإشارة إلى برنياع (رجل نتنياهو) نائب رئيس الموساد للاستخبارات والوظائف الخاصة، والرئيس المُعين للموساد خلفًا ليوسي كوهين، أي أنه بالوكالة وليس رئيساً أصيلاً ومن المفترض أن يصبح كذلك في حزيران المقبل ولا بد من خطف ود نتنياهو، ليتحقق ذلك. وعليه أتى اغتيال الشيخ صالح العاروري ورفاقه في الضاحية الجنوبية لبيروت ليضرب نتنياهو ورجاله على أكثر من جهة بثلاثة صواريخ.
الجهة الأولى، هي رفضه وقف الحرب تحت الضغط الأميركي والإسرائيلي الداخلي من دون ضمانات واضحة لمستقبله السياسي. أما الجهة الثانية، تتعلق بملف تبادل الأسرى وهنا يتضح أن نتنياهو لا يريد إبرام أي صفقة في المدى المنظور. في المقابل، الجهة الثالثة تتضمن خلط الأوراق الإقليمية لا سيما في الجبهة الشمالية مع حزب الله وفرض ذلك على الولايات المتحدة ووضعها تحت الأمر الواقع. وهذا هو الفخ: لنفتح حرباً أكبر ونجعل واشنطن وكل المنطقة أمام الأسئلة الصعبة. وهكذا تصبح الإجابات ميدانية أكثر منها سياسية وسط رفع السقوف ورفض أي طرف التنازل. وما يمكن افشال خطة نتنياهو، هو احتواء جنون شخص يشعر بأنه خسر كل شيء، ودولة تأكدت أنها خسرت المعركة ولا تريد الاعتراف.