كتب جوزيف فرح في “الديار”:
بمناسبة مرور سنة على تولي وسيم منصوري حاكمية مصرف لبنان بالانابة يطرح السؤال: اين نجح منصوري واين اخفق ؟ قد تكون الخطوة الاكثر ايجابية التي تسجل لمنصوري انه تمكن من تثبيت سعر الصرف بعد ان كان متقلبا وغير مستقر اضافة الى تمكنه من زيادة في الاحتياطي الاجنبي بعد ان كان يستنزف بصورة مستمرة وتراجع من ٣٢ مليار دولار الى حوالى ٧ مليارات دولار وها هو اليوم يسجل ارتفاعات تقول مصادر مصرفية ان الاحتياطي تجاوز عشرة مليارات دولار وان منصوري اوقف اقراض الدولة اللبنانية كما قام باصلاحات داخل المصرف المركزي .
هذه عناوين بارزة لنجاحات منصوري ولكنه اخفق حتى الان في موضوع معالجة الفجوة المالية في مصرف لبنان بالتعاون مع السلطتين التشريعية والتنفيذية ولم يتمكن من معالجة الودائع والاستمرار في تطبيق الهيركات عليها بنسبة تتجاوز ال ٨٠ في المئة .
مصدر مصرفي كبير يعتبر ان إنجازه الأكبر هو تحقيقه الاستقرار بسعر العملة وتحسين الاحتياطات الأجنبية داخل المصرف المركزي . إنه انجاز أساسي ومهم . أن الحاكم بالانابة يتمتع بخلفية قانونية وهو حريص جدا على ما يصرفه . انا افهم أن البعض ينتقد حرصه هذا ويتهمه بالتشدد لكن الرجل لا يريد أن يخالف القانون ويريد الحفاظ على الاحتياطات وتحسينها وقد حقق الاستقرار بالنقد وهذا انجاز مهم. أن اهم شيء برأيي هو الحفاظ على الاحتياطات المتبقية وتحسينها وهذا ما نراه حاليا منذ استلام منصوري لمركزه حتى الآن.
ويؤكد هذا المصدر ان العلاقة بين منصوري والمصارف جيدة . ان السيولة لديه هي سيولة المصارف وهو يحاول تحسينها لارجاعها للمودعين انه يريد المحافظه على السيولة وهو متشدد بهذا الموضوع وليس لديه اي استنسابية في التعامل مع المصارف او اي دوائر حكومية. إنه صارم جدا وهذا جيد لأنه يسهم في تحسين احتياطات المصرف المركزي. البعض يلوم الحاكم على ذلك لكنه برأيي إنسان حريص على الا يتم صرف اي شيء إلا ضمن القانون.
اما خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي فيقول:
أعتقد أن اهم إنجازات هذا الفريق هو استلامه المنصب بموجب قانون النقد والتسليف وقد كان يوجد عند اقتراب نهاية ولاية الحاكم السابق تهديد بالاستقالة والكثير من الكلام الذي اعتبره كلاما غير مسؤول لكن العودة عن هذه التصريحات والتهديدات واستلام المنصب وفق قانون النقد والتسليف كان أمرا جيدا لأننا صحيح اننا نسمي د. وسيم منصوري الحاكم بالانابة الا أنه يجب التأكيد على أنه حاكم بصلاحيات حاكم أصيل اي أن كل ما يقوم به الحاكم الأصيل باستطاعته هو أن يقوم به وهذا الأمر هو سيف ذو حدين فهو من ناحية أمر جيد لكن يجب أن يتم استثماره واستخدامه وتوظيفه لسلامة النقد الوطني وسلامة القطاع المصرفي واستقرار الأسعار ودعم الاقتصاد الوطني. ان هذه الأمور كلها مسؤولية كبيرة وانا هنا استعمل تعبيرا استعمله الحاكم بالانابة “ايد وحدها لا تصفق”. ان السياسات النقدية وحدها لا تفعل شيئا وكذلك الحاكم وحده لا يستطيع القيام بشيء عندما يوجد جمود متعمد وهروب متعمد من المسؤوليه من قبل السلطة السياسية .
ان الإنجاز الذي يمكن الركون اليه هو أن الحاكم هو السلطة الوحيدة بالدولة اللبنانيه وقد اثبت ان الحكم استمرارية اي أنه حتى الآن لم يحدث اي انعطافة استراتيجية بالسياسات النقدية. لكنني اعطي crédit للحاكم والمجلس المركزي في مصرف لبنان وقد بدأ ذلك في أيام الحاكم السابق الذي هدد في اوائل العام ٢٠٢٣ بإيقاف العمل بالتعميم رقم ١٥٧ وتجميد العمل بمنصة صيرفة اذ كان لدى الحاكم والمجلس المركزي يومذاك اثباتات على أن المصارف تمارس الاستنسابية والزبائنية للاستفادة من الدولار المدعوم بالإضافة إلى انها كانت من أكبر المستفيدين رغم أن هذا التعميم صدر لكي يساعد المودع للتخفيف من الاقتطاع المفروض على حساباته بالدولار المحلي . وقد بدأ المجلس المركزي لمصرف لبنان في الشهر الثالث من العام ٢٠٢٣ الانتظام بسوق القطع الأجنبي بعدما قرر المجلس المركزي الأهتمام بالمصاريف التشغيلية للدولة اللبنانيه بالدولار لكي يخفف الضغط في السوق وقد اتجهنا منذ ذلك الحين نحو الدولرة الكاملة بالاستهلاك. كما علينا الا ننسى أن وزير الاقتصاد عندما وافق على طلب أصحاب السوبرماركات والمستوردين على التسعير بالدولار إنما فعل ذلك بعد التشاور مع حاكم مصرف لبنان السابق. هكذا بدأت الدولرة بتسعير السلع الاستهلاكية بالسوق ولم تتوقف عند ذلك، بل تعدتها إلى دولرة الإيرادات والنفقات في القطاع الخاص وهو أصبح اليوم مدولرا بالكامل. ان أهمية الدولرة هذه هي انها خففت الضغط على الطلب بالدولار في سوق القطع الأجنبي وأصبح اللاعب الوحيد في هذا السوق هو مصرف لبنان وقد أعطاه ذلك مجالا وافيا لضبط الإيقاع في السوق الموازي ولم نعد نرى طلبا على الدولار بشكل استثنائي وقد كان هذا سببا في اضطرابات بسوق القطع على سعرالدولار الاجنبي. بعدها شهدنا استقرارا بالسعر حتى اليوم.انا اقول ان الإنجاز بحق يذهب إلى د. وسيم منصوري بالتأكيد على أن الحكم استمرارية إذ يبعد الشخصنة عن أي سلطة بالدولة . ان مصرف لبنان ليس الحاكم السابق او الحالي إنما هو السياسة النقدية المسؤولة عن استقرار وسلامة النقد وسلامة الاقتصاد وسلامة القطاع المصرفي.
لكن الا تسجل اخفاقا ما للحاكم والمجلس المركزي الحالي؟ قناعتي انا أن وسيم منصوري والمجلس المركزي قد اخفقا بعدم اهتمامهما بالقطاع المصرفي وعدم اهتمامهما بالاقتصاد الوطني. انا اعتقد انهما اضاعا البوصلة نوعا ما لأنه اليوم بعدما استقر نوعا ما الوضع في القطاع المصرفي والقطاع الخاص وتأقلم مكونات القطاع الخاص من أفراد ومؤسسات مع المتغيرات الاقتصادية فقد أعطى ذلك مساحة للمؤسسات المصرفية أن ترتاح قليلا وان يخف الضغط عليها من جهة السحوبات المالية فالملاحظ اليوم عدم هجوم الناس على فروع المصارف والسحوبات التي تؤمنها المصارف هي بموجب التعاميم مثل ١٥٨و ١٦٦ ومصرف لبنان هو شريك أساسي مع المصارف بتأمين السيولة. في المقابل يوجد بعض المصارف بحدود ١٠ او ١١ مصرفا استطاعت تأمين إعادة تكوين السيولة وهذا أمر مهم لأنه في الاقتصاد لا يوجد شيء اسمه إعادة تكوين ودائع او تسديد ودائع. ان هذه القدرة على إعادة تكوين السيولة بالعملة الأجنبية وتوظيفها لدى المصارف المراسلة بفوائد عالية وهي تصل حسب علمنا إلى ٥،٥٠% . ان هذه الاستفادة التي تحققها المصارف والمصرفيون لا تعود باي منفعة للمودعين الذين تم احتجاز ودائعهم. ان مصرف لبنان على علم بهذه التوظيفات لكنه للأسف لا يضيء عليها . انا اعتقد انه حان الوقت لكي يضع مصرف لبنان السكين على رقاب المصرفيين وان يقول لهم عليكم العودة إلى لبنان والى خدمة الاقتصاد اللبناني وتأمين حاجة المودع وليس رغبته اي أن يستطيع المودع الوصول إلى وديعته لكي يقوي فاتورة الاستهلاك وفاتورة الطباعة وفاتورة التعليم . ان مصرف لبنان باستطاعته ذلك ولا يحتاج إلى تشريع او قانون لأنه الوصي على القطاع المصرفي، ثم ان المصارف القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد فقد حان الوقت لها أن توظف هذه السيولة التي نجحت في إعادة تكوينها في الاقتصاد اللبناني وان تعود اليه.ها هنا تأتي أهمية التعاون مع السلطة السياسية لإدارة المصارف المتعثرة كليا ونحن هنا نحتاج الى قوانين لمعالجة المصارف المتعثرة دون حدوث اضطرابات اقتصادية قد تؤدي إلى مصائب مختلفة. انا اعتقد انه يوجد دول عديدة مستعدة لمساعدة لبنان اذا رأت ارادة جدية بالاصلاح. لكن يجب الانتباه إلى أن الإصلاح في القطاع المصرفي يختلف عن تصويب أداء المؤسسات المصرفية القادرة على الاستمرار في خدمة الاقتصاد. ان تصويب الأداء لا يحتاج إلى قوانين وهنا يأتي دور مصرف لبنان بحث هذه المصارف على العودة إلى الاقتصاد الوطني. أما إصلاح القطاع المصرفي فلا يحتاج إلى قوانين تعجيزية إنما هي قوانين غير تعجيزية.
هل باستطاعة الحاكم والمجلس المركزي في مصرف لبنان القيام بذلك وكيف؟ انهما قادران على ذلك ففي ظل الاضطرابات التي شهدها القطاع المصرفي على الحاكم والمجلس المركزي بالحد الأدنى وضمن الصلاحيات والامكانات الموجودة أن يقوما بإعادة هيكلة المصرف المركزي وربما يصل ذلك إلى هيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة مراقبة الأسواق المالية ومصرف لبنان ذاته. يوجد للأسف غياب مميت للرقابة وتجاوزات مثيرة من قبل المصارف ما لم يتم الأهتمام بها وهذا بالنتيجة يسجل كاخفاق لمصرف لبنان لأن الحاكم هو الرئيس لكل فروع مصرف لبنان . إنه أساسي في لجنة الرقابة وهو رئيس الهيئة المصرفية العليا وهيئة مراقبة الأسواق المالية وهيئة التحقيق الخاصة وهو قادر بخطوات جدية أن يعيد الهيكلة . ان إعادة الهيكلة اليوم أمر ضروري ولا يمكن التبجح بالحاجة الى القوانين لأنه قادر على ذلك وهي ضمن صلاحياته. ان د. وسيم سعيد بأنه حاكم بالانابة ويحاول قدر المستطاع التمسك بانه حاكم بالانابة وانا أشعر انه يتحصن دائما بذلك بينما لديه في الحقيقة صلاحيات الحاكم الأصيل. عليه استعمال القوه التي يملكها لكننا لم نر ذلك حتى الآن .
كيف تنظرون لدور المجلس المركزي في مصرف لبنان ؟ انا اسجل له الإنجاز الذي قام به وهو عدم تجاوبه مع السلطة السياسية لإصدار أوراق نقدية من فئة ٥٠٠٠٠٠ ومليون ليرة لكنه من جهة أخرى لم يكن قويا بما يكفي في مسألة تأمين السحوبات بالليرة من الحسابات المعوننة بالدولار المحلي . أن الحاكم السابق هو من حدد سعر صرف الدولار عدة مرات حتى وصل إلى ١٥٠٠٠وهو من حدد سقف السحوبات الشهرية لكل مودع وانا أعتقد أن منصوري يستطيع اليوم اصدار تعميم يحل محل التعميم ١٥١يحدد فيه السحوبات على سعر ٨٩،٥٠٠ مع تحديد سقف السحوبات لكنه يضعها في ظهر السلطة السياسية بينما المودع ومنذ أواخر العام ٢٠٢٣ يسحب أمواله على سعر مجحف هو ١٥٠٠٠ بينما أكد منصوري في التعميم الأساسي ١٦٧ أن سعر صرف الدولار المصرفي هو ٨٩،٥٠٠ . انا اعتبر هذا الأمر اخفاقا يسجل على الحاكم بالانابة ولا أعلم لماذا لا يلقى هذا الموضوع الأهتمام اللازم من مصرف لبنان لحلحلة المشكلة.
انه يتغنى بأنه يزيد الاحتياطي بالعملة الأجنبية لكن هنا توجد ضبابية متعمدة لأنه بالنسبة لنا كمودعين فالاحتياطي الذي يهمنا هو الاحتياطي الالزامي الذي تم التفريط به من قبل حاكمية مصرف لبنان سابقا وعلى مدى سنوات وقد كان ١٥% من ارصدة الودائع بالعملة الأجنبية. ان هذه ال١٥% هي سيولة يجب الاحتفاظ بها والا يتصرف بها مصرف لبنان لأنها تتقلب مع تقلب حجم الودائع. لقد تم صرفها واهدارها والمصرف اليوم بقيادة منصوري اذا اراد القول انه زاد الاحتياطي بالعملة الأجنبية وهو اليوم١٤%من حجم الودائع بالدولار المحلي .اذا تم تأمين هذا الاحتياطي الالزامي فباستطاعته القول ان لديه احتياطا بالعملة الأجنبية. انا اعتقد ان حجم الودائع اليوم يقترب من ٨٠ مليار دولار اي أن ١٤% منها يجب أن تكون مؤمنة وكل ما يتعدى هذا الرقم أصبح احتياطا للمصرف بالعملة الأجنبية وقبل وصوله إلى هذا الرقم ليس لديه احتياط بالعملة الأجنبية بمقدوره التغني به.