أخبار محليةمقالات

ايام عز يعتز بها الكاتب والصحافي قاسر قصير يروي عن بيروت بنكهة الحب في زمن العيش المتواضع والحياة الصعبة لكن الايام كانت كفيلة حاضنة ودافئة لاتشعرك الا بالامان والطمأنينة رغم قساوتها

 

عن حديقة الصنائع والوتوات والحمراء ووادي ابو جميل : ذكريات مع الوالد ومناطق بيروت غير التقليدية

مقال لقاسم قصير عن بيروت القديمة
مقال لقاسم قصير عن بيروت القديمة

قاسم قصير
منذ ان كان عمري حوالي العشر سنوات تقريبا كنت اذهب مع الوالد الى مقر عمله في منطقة حديقة الصنائع وحي الوتوات ووادي ابو جميل في بيروت. وكان والدي عاملاً في بلدية بيروت ولكن بأخلاقه المميزة وحسن تعامله مع ابناء المنطقة تحول الى احد ابناء المنطقة من خلال كسب ثقتهم والتعاون معهم وفي هذه المنطقة كان يسكن الارمن واليهود والشخصيات السنية من التجار والسباسيين اضافة الى مواطنين اكراد وبعض الشيعة وكانت هذه المنطقة تضم سابقا مقر القصر الجمهوري وهي تضم الى اليوم مقر الصليب الأحمر اللبناني وكان فيها مقر نقابة المهندسين قبل ان ينتقل الى منطقة بئر حسن وفيها ايضا بناية الاونيون الشهيرة وكلية الحقوق والعلوم السياسية وكان يسكن فيها الرئيس تقي الدين الصلح وكنت اذهب مع الوالد لمساعدته احيانا او لبيع اوراق اليانصيب قبل ان نتخلى عن ذلك لاسباب شرعية وكنت ايضا اذهب الى شارع الحمراء والذي كان في اوج انطلاقته وخصوصا في اوائل السبعينيات حيث السينمات والمسارح والمحلات الكبيرة والمطاعم والمكاتب العقارية وكنت اتنقل في هذه المناطق الجميلة برفقة الوالد احيانا ولوحدي احيانا اخرى .
وكان الوالد رحمه الله يذهب كل يوم سبت لاطفاء الكهرباء في كنيس اليهود في وادي ابو جميل لانه لا يجوز لهم ذلك قبل ان يغادر اليهود المنطقة بسبب الحرب وبقي الكنيس قائما الى اليوم .
وكذلك كانت علاقة الوالد باالارمن جميلة جدا وكانوا يحبونه ويستضيفونه في منازلهم ويتعاون معهم .
كما ان بعض العائلات السنية الثرية كانت تقيم في هذه المنطقة وكانت تملك فيلا جميلة مع حديقة جميلة قرب مقر تلفزيون المستقبل اليوم في شارع سبيرس وقد طلبت من الوالد ان يحضر عائلته خلال شهر الصيف للافامة في الفيلا وذلك حرصا عليها لانهم كانوا يسافرون الى خارج لبنان او يذهبون الى الجبل وقضينا ذلك الصيف الحميل في تلك الفيلا .
ولاحقا وخلال الحرب واضافة لعمله في بلدية بيروت قرر الوالد بيع الخضار والفواكه وكنت انا واخي نذهب معه احيانا وتحول هذا العمل الى مشوار جميل في شوارع بيروت رغم التعب والارهاق واجواء الحرب الاهلية لان العلاقة مع الزبائن كانت مميزة وفيها نكهة من الحب والتعاون .
وكانت حديقة الصنائع ملاذنا للراحة وقضاء الأوقات الجميلة وترك الوالد في كل هذه المناطق اصدقاء ومحبين كثر لا يزالون يذكرونه الى اليوم عندما اتفقد تلك المنطقة او ازور بعض الأصدقاء فيها وخصوصا الزميل اسعد حيدر والزميل ميشال نوفل او امر لشراء العصير من محل رمضان او اذهب الى موقع اساس ميديا مقابل بناية الاونيون او ازور مقر الحزب الشيوعي اللبناني او تيار المستقبل.
وكانت بناية الاونيون تضم مكاتب ودور نشر ومنها مكتب الوزير والنائب مروان حمادة وكانت تربط الوالد معه علاقة صداقة وكنا نزوره في مكتبه لمتابعة بعض القضايا .
وفي هذه المنطقة خليط جميل من السكان من مختلف الطوائف والمذاهب ورغم حصول تغييرات كثيرة فيها بسبب الحرب والاوضاع الاقتصادية والامنية فانها لا تزال تحتفظ بروح التنوع والتعاون بين ابنائها .
ولا زلت احتفظ بذكريات جميلة عن تلك المرحلة الرائعة من تاريخ بيروت ولا يزال للوالد حضورا جميلا فيها رغم وفاته منذ حوالي سبع سنوات تقريبا .
رحم الله الوالد فقد تعلمت منه محبة الناس وكيفية تجاوز المشكلات وتحويل الضعف الى قوة والبحث عن لقمة العيش رغم الظروف الصعبة .
انها بيروت الجميلة التي تتسع لكل الناس من مختلف المناطق والطوائف والمذاهب والدول .

زر الذهاب إلى الأعلى