مع الزمن بقي لغز انفجار “تونغوسكا” الغامض بلا حل، ما دفع إلى ظهور روايات عجيبة، من بينها حديث واحدة عن انفجار سحابة ضخمة من البعوض، وثانية عن انفجار مركبة فضائية من خارج الأرض.
في الساعة السابعة والربع من صباح يوم 30 يوليو عام 1908 سمع انفجار بمنطقة تونغوسكا السفلى بوسط سيبيريا. الجسم المجهول قبيل الانفجار ترك خلفه مؤثرات صوتية وضوئية مذهلة.
هذا الانفجار الفريد من نوعه، وقع في حوض نهر بودكامينايا تونغوسكا الواقع بمنطقة إيفينكي في إقليم كراسنويارسك بروسيا، ويرجح أن يكون حدث في سماء المنطقة على ارتفاع بين 7 إلى 10 كيلومترات.
شهادات السكان المحليين ذكرت أن رحلة الجسم المجهول وكان يشبه كرة شديدة السطوع في السماء كانت مصحوبة بصوت يشبه قصف الرعود، وأنه تركه خلف في طريقه غبارا قويا كان مرئيا في أراضي شرق سيبيريا في دائرة واسعة للغاية لعدة ساعات.
تقدر طاقة هذا الانفجار الغامض بين 10 إلى 40 ميغا طن من مادة “تي إن تي”، أي ما يعادل طاقة ألفي قنبلة نووية مثل تلك التي اسقطت فوق مدينة هيروشيما اليابانية في عام 1945.
شهد هذا الانفجار الذي لا يزال غامضا حتى الآن، على الرغم من مرور 116 عاما على الحادثة، سكان من البدو الرحل كانوا يصطادون في المنطقة بالقرب من مكان الانفجار.
أطاحت موجة الانفجار الهائل في ثوان بأشجار غابة في دائرة نصف قطرها 40 كيلو مترا، وتركتها مجردة من فروعها واوراقها منحنية في اتجاه واحد. أبيدت الحيوانات وقتل عدد من السكان وأصيب آخرون، كما سطع إشعاع ضوئي استمر لفترة طويلة.
تأثير الانفجار بلغ الأقاصي، وشعرت به العديد من القرى النائية من خلال اهتزاز التربة والمنازل وتحطم زجاج النوافذ، وسقوط الأواني من الأرفف.
سيميون سيمينوف، وهو أحد سكان قرية فانافارا الواقعة على بعد سبعين كيلو مترا من مركز الانفجار، وصف ما جرى قائلا إن السماء انشقت فجأة، وظهر حريق فيها مصحوبا بحرارة شديدة، ثم سمع هدير رهيب يصم الآذان. الوصف ذاته تكرر على ألسنة شهود آخرين.
جرى الحديث أيضا عن ظواهر غريبة طالت معظم نصف الكرة الشمالي من خلال شفق غير عادي في سطوعه ولونه وتوهج الظلام في السماء فيما يسمى بالليالي الساطعة، وغيوم فضية متوهجة علاوة على تأثيرات بصرية نهارية تمثلت في هالات وتيجان حول الشمس.
قاد العالم السوفيتي المتخصص في المعادن ليونيد كوليك بعثة استكشافية إلى المنطقة في عام 1921، إلا أنه لم يتمكن من العثور على أي بقايا للنيزك ولا أثر لسقوطه على الأرض. هذا العالم افترض في عام 1927 أن نيزكا حديديا كبيرا سقط وسط سيبيريا.
نفس العالم ترأس بعثتين أخريين إلا أن سر الانفجار الغامض بقي على حاله. ظهرت بعد ذلك نظرية ترجح أن يكون الانفجار بفعل مذنب.
هذا الاحتمال يصفه الاكاديمي الروسي وعضو لجنة النيازك في اكاديمية العلوم الروسية فيكتور غروخوفسكي بأنه الرواية الأكثر واقعية، لافتا إلى أن “المذنبات تتكون في الغالب من الجليد المغطى ببقع من المادة الصلبة”، وبعد الانفجار لا جدوى من البحث عن البقايا.
غروخوفسكي أشار في مقابلة صحفية إلى وجود رواية أفادت بأن نيزك تونغوسكا كان محشوا بالماس، ويزعم البعض أنه تم العثور على معادن مميزة للنيازك الحاملة للماس في غابات سيبيريا حيث وقع الانفجار.
أما أطرف الروايات التي طرحت لتفسير انفجار سيبيريا الغامض، فيرى العالم الروسي أنها تلك التي زعمت أن حادثة تونغوسكا كانت نتيجة انفجار سحابة من البعوض، علاوة على رواية ألقت بالمسؤولية عن الانفجار على نيكولا تسلا، العالم الأمريكي الذي كان يجري تجارب حينها على نقل الكهرباء إلى مسافات بعيدة في الهواء.
بعد مرور أكثر من قرن لا تزال الغابات في وسط سيبيريا تحتفظ بسر الانفجار الغامض الذي تحدى عقول العلماء لعقود طويلة. حتى الآن توجد روايات متنوعة يرقى بعضها إلى مرتبة الأساطير، في حين يواصل العلماء دون كلل جهودهم لحل اللغز. كل شيء مرتبط بتوقيته وحينها ستبوح غابات سيبيريا بأسرارها.