اما لهذه العتمة الشاملة ان تنجلي وان يبصر اللبنانيون الكهرباء ؟
كتبت أميمة شميس الدين في “الديار”:
فعلاً إنها قصة لا تنتهي قصة الكهرباء في لبنان، قصة ملّ اللبنانيون من سماعها و عيش فصولها منذ سنوات وعقود، قصة ليس لها بداية ولا يبدو أن لها نهاية على الأقل في المدى المنظور.
و من المؤكد أن ازمة الكهرباء ليست وليدة اليوم، والعتمة الشاملة المهدد بها لبنان ليست جديدة، فهذه الجملة نسمعها تكراراً ومراراً منذ زمن طويل.
وبغض النظر عن المسؤول عن هذه الازمة المزمنة، و لماذا وصلنا إلى هنا، فقد تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، الظلمة ولبنان من ٢٤ ساعة كهرباء إلى ١٠ ساعات ثم إلى ٤ ساعات وساعتين، وإلى الكارثة الكبرى صفر كهرباء والعتمة الشاملة.
النائب ابراهيم منيمنة رأى في حديث للديار ان ازمة الكهرباء بالدرجة الاولى هي مشكلة تمويل الفيول ،”وهناك مشكلة إنتاج ولدينا قدرة إنتاجية لكنها أقل من الطموح لكن حتى في معامل الإنتاج المتوافرة لا يوجد تمويل لهذا الإنتاج “.
ولفت منيمنة أن المشكلة تكمن أساساً في التعرفة التي تم رفعها إلى ٢٧ سنت دون ان يؤخذ من ضمنها كلفة الفيول العراقي “على أساس أن يدفع ثمن الفيول العراقي من الدولة وليس من مؤسسة كهرباء لبنان”، مؤكداً ان الدولة بوضعها الحالي و سوء إدارتها لم تأخذ بعين الاعتبار ولم تضع في الموازنة كلفة الفيول العراقي من اجل تأمين الاعتمادات لها وبالتالي لم تتأمن القدرة على دفع متوجبات الدولة بالنسبة للفيول العراقي.
ورأى منيمنة ان الدولة قررت ان تقوم بنوع من الدعم غير المباشر للكهرباء ولم تؤمن الأموال اللازمة، ومن جهة أخرى مؤسسة كهرباء لبنان لم تحتسب كلفة الفيول العراقي من ضمن التعرفة.
كما رأى منيمنة أن المسؤولية في ازمة الكهرباء تقع في الدرجة الأولى على الدولة التي وافقت على عقد الفيول العراقي دون أن تؤمن له الاعتمادات، و في الدرجة الثانية على وزارة الطاقة التي أخذت دور شركة كهرباء لبنان بإجراء المناقصة، وفي الدرجة الثالثة على مؤسسة كهرباء لبنان التي تخلت عن صلاحياتها بتأمين تمويلها واحتياجاتها بالشكل الذي تراه مناسباً كي تكون مسؤولة أمام الناس، مشدداً على ضرورة ان تتخذ زمام الأمور بنفسها و تضع وزير الطاقة أمام مسؤولياته ،” لكن بهذه الطريقة التي يتم إتباعها لا يمكن تأمين التيار الكهربائي في ظل هذا التخبط الذي نعيشه”.
ورداً على سؤال رأى منيمنة أن الحل النهائي لأزمة الكهرباء هو بزيادة الإنتاج وتأمين مالية واضحة من خلالها يُغذّى كلفة الفيول إضافةً إلى الإصلاحات المالية التي لا تنفذها الحكومة.
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يؤكد أن مشكلة الكهرباء التي يعاني منها اللبنانيون ليست وليدة اليوم، ويروي القصة الكاملة لقضية الكهرباء في لبنان، ويقول في حديث للديار: في العام ١٩٧٥ قبل الحرب اللبنانية كانت مؤسسة كهرباء لبنان من أنجح المؤسسات الحكومية، إذ كانت تؤمن التيار الكهربائي على مدى ٢٤ ساعة، وكانت تحقق وفراً مالياً ولم تكن في حالة عجز، مشيراً انه ابان فترة الحرب اللبنانية تعرضت المنشآت و خطوط النقل للتدمير، وبدأت المعاناة في الكهرباء، سيما أن الجباية انعدمت في الكثير من المناطق اللبنانية.
ويتابع شمس الدين بعد انتهاء الحرب في العام ١٩٩٠ تم وضع خطة لتأهيل الكهرباء. في المرحلة الأولى تقرر إنشاء معملين في الزهراني وفي دير عمار وتأهيل معامل الجية والذوق، وأيضاً إنشاء معامل في بعلبك وصور ومد شبكات لنقل الطاقة الكهربائية، لافتاً ان كلفة هذه الخطة كانت ملياري دولار ” لكن المشكلة الأساسية أننا اعتمدنا على معامل تعمل على الغاز والمازوت في حين ان لبنان لديه قدرة بان يؤمن اكثر من ٧٠% من حاجته على الطاقة المائية وهذا كان اول خطأ ارتُكِب بعد انتهاء الحرب الذي أدى إلى ارتفاع كلفة الكهرباء في حين كان في العام ١٩٧٠ أي قبل الحرب ٧٠ % من حاجتنا للطاقة يؤمن من مصادر مائية “.
ويذكٍر شمس الدين بان مؤسسة كهرباء لبنان قامت في العام ١٩٩٤ بتحديد التعرفة كالاتي : على أول مئة كيلوات ٣٥ ليرة و ثاني ٢٠٠ كيلوات ٥٥ ليرة وعلى المئة الرابعة ٨٠ ليرة والمئة الخامسة ١٢٠ ليرة والباقي ٢٠٠ ليرة، وهذا يعني انه كان هناك مراعاة للطبقات الفقيرة والأسر المتوسطة الحال، (مع الإشارة أن سعر برميل النفط كان يتراوح ببن ١٥ و ٢٠ دولارا عند وضع هذه التعرفة لكن بعدما ارتفع سعر برميل النفط ووصل إلى ٥٠ و ٦٠ دولارا وأحياناً ١٠٠ دولار لم تتغير هذه التعرفة ).
ورأى شمس الدين ان التعرفة مدعومة أي ندفع ١٠% من الكلفة إضافة إلى سرقة الكهرباء من بعض المواطنين من دون عدادات في كل المناطق اللبنانية وكذلك هناك نافذون لا يدفعون فواتير الكهرباء إضافة إلى الهدر الفني، كل هذه الأسباب ادت على مر السنوات إلى العام ٢٠٢٢ إلى تراكم عجز وصل في مؤسسة كهرباء لبنان إلى نحو ٣٠ مليار دولار، “وإذا احتسبنا الفوائد المتراكمة على هذه الأموال البعض يقدٍر أن العجز وصل إلى ٤٠ مليار” .
ويلفت شمس الدين أنه ابتداءً من اول شهر تشرين ثاني في العام ٢٠٢٢ اعتمدنا تعرفة جديدة مبنية على سعر الكلفة، بحيث أصبح اول مئة كيلوات ب ١٠ دولار ( الكيلوات الواحد ١٠ سنت ) و كل كيلوات إضافي ٢٧ سنتا و ٢٥ سنتا عن كل أمبير واحد، بحيث أصبحت الفاتورة توازي الكلفة او تزيد عليها، معتبراً انه عندما وضعت هذه التعرفة المرتفعة تم الأخذ بعين الاعتبار أن هناك من سيدفع الفاتورة وهناك من سيمتنع عن دفعها لكن بهذه التعرفة المرتفعة ستتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من تأمين استقرار مالي وإيقاف العجز، مع العلم ان هذه التعرفة المرتفعة تبقى أقل من فاتورة المولدات الخاصة، ” وإذا أخذنا مثلاً منزل متوسط يستهلك شهرياً ٢٥٠ كيلوات كلفتها لدى شركة كهرباء لبنان ٥ ملايين و ٥٠٠ ألف ليرة، بينما كلفتها من خلال المولدات ٨ ملايين و ٩١٦ ألف ليرة بحسب تعرفة شهر حزيران الماضي أي كلفة كهرباء الدولة أقل ب ٣٠ % من كلفة المولدات” .
وإذ رأى شمس الدين أن ازمة الكهرباء لن تُحَل لا اليوم و لا غداً و لا بعد عشرات السنوات، “لأن هناك مافيا كبيرة تستفيد من انقطاع الكهرباء ومن خلال المولدات”، لفت إلى أن هناك حوالى ٣ آلاف و ٦٠٠ مولد يوزعون الاشتراكات على المواطنين في المدن والأحياء والقرى، وهناك حوالى ٨٠٠٠ مولد كبير في الأبنية، ومئات آلاف المولدات الصغيرة، “وهناك شركات تستورد المازوت لهذه المولدات والأرباح المحقَقة في هذا الأمر لا تقل عن ١٥٠ مليون دولار من تجارة المازوت “.
ويقول محمد شمس الدين وراء كل مولد موجود في حي او في منطقة أو في شارع نافذ سياسي أو ديني أو بلدي يستفيد، كما هناك جيش من المستفيدين من وراء هذه المولدات التي تحتاج إلى الصيانة، الجباية، مد الخطوط، الزيت، المازوت، إضافة إلى الشركات التي تستورد المولدات ،”أي أصبح هناك سوق للمولدات لا يقل حجمه السنوي بين مولدات وصيانة وزيت ومازوت عن ٣ مليار دولار وارباحه لا تقل عن ٤٠٠ مليون دولار، والذين يستفيدون هم من المتنفذين ليس لهم مصلحة بتأمين التيار الكهربائي ٢٤ ساعة”.
ووفقاً لشمس الدين حتى لو استقر الوضع وعادت الدولة إذا لم يكن هناك دولة حقيقية وفعلية تأخذ بعين الاعتبار مصالح اللبنانيين وليس مصالح ٤٠ او ٥٠ ألف شخص يستفيدون من سوق المولدات، لن يكون هناك تيار كهربائي في المدى المنظور لأن هؤلاء النافذين الذين يستفيدون هم يمسكون بمفاصل الدولة ليس لديهم مصلحة ان يتخلوا عن أرباحهم الطائلة جداً جداً .
لكن يقترح شمس الدين حلاً آخر للكهرباء بشرط ان تتوافر إرادة للحل، وهو بسيط جداً يتعلق بالطاقة الشمسية المتوافرة والرخيصة “وعلى الدولة أن تخفف الضرائب المفروضة على البطريات وألواح الطاقة الشمسية”، لافتاً أن هناك اكثر من ٦٠٠ ميغاوات مجهز في لبنان من الطاقة الشمسية الرخيصة والمجانية، باستثناء البطاريات التي يتم تغييرها كل ٣ او ٤ سنوات كما هناك سدود مائية التي يمكن ان توفر الكهرباء ، بحيث يُفترض أن يؤمن لبنان من خلال هذه الخطط اكثر من ٦٠ إلى ٧٠ % من حاجته من الطاقة المتجددة، أي هواء ومياه وشمس، وبالتالي يقل اعتمادنا على الفيول او الغاز او المازوت الذي نستورده وبهذه الطريقة تنخفض فاتورة الكهرباء وتؤمن ٢٤ على ٢٤ مؤكداً ان الحل ممكن تقنيا لكن الارادة غير موجودة.