كتب نقولا ناصيف في “الأخبار”:
بين وزير الدفاع وقائد الجيش ما لا سابق له في تاريخ المؤسستين منذ ما يقرب من ثلاثة ارباع قرن. مع انهما من مدرسة واحدة، بيد انهما يختلفان في كل شيء يصعب ترميمه، الا عندما يدخل طرف ثالث ينتزع لنفسه حصة في التسوية. مرة يكسب القائد جولة، ومرة الوزير
سُوِّيت الخميس الفائت (18 تموز) ازمة دورة التطويع في الكلية الحربية بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون. راعى المخرج كليْهما مع انه معزوّ الى الوزير الذي اقترحه، الا انه احتاج اليهما معاً كي يبصر النور في موازاة تدخّل رئيسيْ البرلمان والحكومة.استقر عدد التلاميذ الضباط الناجحين على الرقم 118 كما شاءه عون من 173 كان مفترضاً تطويعهم عملاً بقرار سابق لمجلس الوزراء لسنة خلت، على ان يُلحق بهم 82 متطوعاً جديداً في دورة جديدة بطلب من سليم لرفع عدد الدورتين الى 200 تلميذ ضابط. الرقم 118 تسبّب بالمشكلة بين الرجلين مستمدة من المشكلة الأم عندما تجاوز القائد التوقيعين الملزمين للوزير على قراريْ تطويع اولئك، بقبولهم اولاً ثم إخضاعهم الى الامتحان فاعلان نجاحهم. رغم حصوله على موافقة المجلس العسكري، تعذّر على قائد الجيش نفاذ إلحاق الـ118 بالكلية الحربية، فتوقفت الدورة اشهراً. احد اسباب موافقة عون اخيراً على الدورة الثانية لشرعنة تطويع الدورة الاولى، ان اصغى الى ما كان عدّه غير مألوف في الجيش ولم يكن قد سمع به قبلاً كما قال على الاقل. حجته ان لا سابقة في تطويع دورتين معاً. الاسباب الاخرى وفيرة يتداخل الشخصي فيها بالسياسي، بالطموحات والاوهام، باستعجال ما يقتضي ان يأتي في اوانه.
قبل 52 عاماً، في حزيران 1972، طلبت قيادة الجيش تطويع تلاميذ ضباط واجرت مباراة الدخول انتهت الى نتيجة مخيبة: المؤهلون لدخول المدرسة الحربية (آنذاك) بعد اجراء الامتحانات اقل بكثير من العدد المطلوب تطويعهم. كتمت القيادة النتيجة ولم تفصح عنها اعلامياً على نحو غسيل هذه الايام. طلبت من ثمّ دفعة ثانية من المتطوعين أُخضِعوا الى مباراة الدخول واختير الناجحون المؤهلون على انهم أُلحقوا بالدفعة الاولى وعُدّوا جميعاً دورة واحدة لا اثنتين. تلاميذ ضباط الدفعة الثانية بلغوا ثلثيْ الدفعة الاولى كي يستقر عددهم في الدفعتين، للمصادفة، على 118 تلميذ ضابط دخلوا الى المدرسة الحربية معاً في 12 تشرين الثاني 1972، وتخرّجوا في الاول من آب 1975 في الاشهر الاولى من الحرب اللبنانية. وزير الدفاع الحالي كان احد التلاميذ الضباط هؤلاء، الى جورج خوري وفرنسوا الحاج وميشال منسى ووفيق شقير وعلي جابر ونبيل قرعة ونهاد ذبيان… امين سرّ لجنة مباراة الدخول آنذاك كان الملازم جميل السيد، المدرب في المدرسة الحربية المعني المباشر بطلبات المرشحين وعلاماتهم وادارة امتحاناتهم وموادها ومراقبة وضع الاسئلة والفحوص الاولية واصدار النتائج وصولاً الى جدول اعلانها. لتقريره، بوظيفته تلك، تأثير في قرار قائد الجيش وقائد المدرسة الحربية في ذلك الحين.
ذكّر وزير الدفاع به في جلسة لجنة الدفاع والامن والداخلية اخيراً في 5 حزيران عند مناقشتها خلاف الوزير والقائد.
انجدت سابقة 1972 المخرج الذي انتهت اليه تسوية التطويع الحالية بفارق احتساب دورتيْ تطويع لا واحدة، خرَّجها التسييس لا المعايير والانظمة. وخلافاً لما اعتادت عليه دورات ضباط جيش فؤاد شهاب بين منتصف الاربعينات حتى نهاية السبعينات، درجت دورات ضباط «جيوش» خلفائه في القيادة الى آخرهم، منذ منتصف الثمانينات الى الآن، على العثور على حلول للتباينات والخلافات والنزاعات والتنازع على الصلاحيات والنكايات في التسييس والاثمان المتقابلة وعض الاصابع وتكبيد سمعة المؤسسة العسكرية بالذات – لا اولئك الماضين الى بيوتهم – الكلفة.
في نهاية المطاف، وان طُويت صفحة دورتيْ التطويع، ثمة ما لا يزال مشرّعاً على ما هو آت وعلى الخلاف المستدام بين الرجلين. كسب قائد الجيش على الوزير مرتين عند تمديد ولايته بقانون وعند تعيين رئيس للاركان خلافاً للدستور والقانون، وكسب وزير الدفاع على القائد مرتين ايضاً بتثبيت عدم قانونية وجود رئيس للاركان لا يعترف به ولم تصدر مراسيم تعيينه وبفرضه على عون دورة ثانية لتطويع تلاميذ ضباط:
1 – سعي مجلس الوزراء الى التدخّل لايجاد حل لمشكلة باجتهادات مغايرة لنصوص الدستور والقانون على نحو تعيين رئيس للاركان في 8 شباط الفائت، وعلى نحو تفكير المجلس في وضع يده – كما في 8 شباط – على ما يدخل في صلاحيات سواه، كأن يخطر له الاستعاضة عن توقيع الوزير بموافقته هو على قرار اعلان نتائج الناجحين في الدورة الاولى تمهيداً لالتحاق التلاميذ الضباط 118 بالكلية الحربية. ما أقدم عليه لدى تعيينه رئيساً للاركان لا يزال الى الآن معدوم الوجود قانوناً، تفادى تكراره بالاحتكام الى تسوية جانبت انظمة الكلية الحربية والاصول القانونية المتبعة واسترضت طرفيْ المشكلة، الوزير والقائد.
مجلس شورى الدولة بين الرأي الصائب والرأي المسيّس
2 – استنساب استمزاج رأي مجلس شورى الدولة. يحدث ان يبدي مجلس شورى الدولة رأياً صائباً، ويحدث ان ينجر الى ما يدعوه اليه السياسيون. سألت السلطة الاجرائية المجلس رأيه، فقدّم رئيسه فادي الياس جواباً عاقلاً هو انه لا يملك ان يبدي رأياً مسبقاً في قرار دورة التطويع المشوبة بعيب قانوني تحسباً لتلقيه لاحقاً مراجعة بابطال القرار ما ان يقع تحت ولايته.
سئل المجلس مجدداً في معرض الطلب منه اعادة النظر في الرأي السابق، فأحيل الجواب الى احدى غرفه بأن اجابت على نحو مغاير لوجهة النظر الاولى ان استبقت وادلت برأي: اعتبرت قرار قبول الناجحين الـ118 غير قانوني لعدم اقترانه بالتوقيع الملزم للوزير، على ان توقيع هذا القرار – في التسوية الجاري الاعداد لها حينذاك – يُقيد الوزير بعدد هؤلاء الـ118 على نحو يربط موافقته على القرار الثاني بتقييده بالموافقة على القرار الاول وهو لائحة المقبولين التي لم يوقعها. القاعدة المقابلة لوجهة النظر هذه تعاكسها: لأن قرار قبول المرشحين لم يوقعه الوزير وعُدّ باطلاً، يسري البطلان على قرار قبول الناجحين في المباراة، المبني على قاعدة بطلان ما بُني على باطل. توقيع الوزير ملزم كليْ القرارين والا عُدّا باطلين. اضف ان في وسع اي متضرر من المقبولين من غير الناجحين في الدورة الاولى الطعن لدى مجلس شورى الدولة كون قرار القبول مشوباً بعيب قانوني.