“النهار” رضوان عقيل
سيحمل اللواء #عباس ابراهيم غداً الخميس صفة المدير العام السابق للأمن العام بعد رحلة طويلة أمضاها في مهمات عسكرية وأمنية وسياسية، رسم بداياتها منذ دخوله المدرسة الحربية حيث عشق كل ما يرافق ارتداء البزة المرقطة. وعندما تسلم منصبه الامني الرفيع تبين لمن عرفه انه صاحب دور اكثر من شخصية عسكرية، حيث نجح في ادارة المهمات التي تولاها منذ تعيينه قبل 12 عاما. ولم تخرج اصوات تقول إنه اساء استعمال صلاحياته أو استغل منصبه أو ميّز ضابطاً عن آخر في مديريته التي أفلح في تطويرها فلم يقتصر دورها على اصدار جوازات السفر وضبط عمليات الدخول والمغادرة في المطار والمرافىء والحدود البرية. ومع اختلاف الظروف والاوضاع في البلد عمل ابراهيم على اقتباس الدور الذي اضطلع به من سبقوه من مديرين شغلوا هذا الموقع قبل الطائف كالعميد توفيق جلبوط في عهد الرئيس فؤاد شهاب، وانطوان الدحداح في عهد الرئيس سليمان فرنجية.
ماذا حصل مع ابراهيم؟ هل أُبعِد كضحية، ولماذا أُعلِن عن فشل المخارج للتمديد له في اللحظات الاخيرة؟
عشية آخر جلسة تشريعية في 18 تشرين الاول الفائت ابان رئاسة عون جرت محاولة للتمديد له تولاها “حزب الله” بطلب من أمينه العام السيد حسن نصرالله ولم يصل الى نهاياته. ولم يكن احد يتوقع ان تصل الامور في هذا الموضوع الذي لم يوضع على جدول الاعمال آنذاك حيث لم يكن يُتوقع توقف التشريع. وبعدما سُدت الطرق امام انعقاد جلسة تشريعية ساهمت في تعطيلها “القوات اللبنانية” اولا ثم “التيار الوطني الحر” وكتل اخرى بعدما اعطى رئيس التيار جبران باسيل وعداً لابراهيم بالسير بالتمديد له اذا كان جدول اعمال الجلسة مختصرا بحسب ما تشتهي رياحه. وحصل تواصل بين الرجلين عندما كان ابراهيم في بروكسيل ثم التقيا في البياضة. وبعدما تأكد عدم التئام الجلسة انتقلت كرة التمديد الى حضن الرئيس نجيب ميقاتي الذي لم يخفِ صعوبة التوصل الى مخرج قانوني، وهذا ما ردده من دون قفازات. وثمة مَن همس في اذن ابراهيم هنا بالمسارعة الى عقد مؤتمر صحافي قبل اسبوع من يوم احالته على التقاعد، لكنه عدل عن ذلك لئلا يقال إنه تسرّع في اتخاذ هذه الخطوة، وأراد ان يرمي الحجة على المعنيين الى الدقيقة الاخيرة. ولم تفلح محاولات ميقاتي في ايجاد مخارج قانونية بعد مراجعة اعدّها قضاة بالتعاون مع وزير الداخلية بسام مولوي، ولم تؤدِّ حصيلتها الى مخرج يدعم مسألة التمديد التي فتحت على ميقاتي جملة من المطالب من نوع اعادة التمديد لضباط احيلوا على التقاعد في المجلس العسكري للجيش. واراد ميقاتي عدم الدخول في اي مشكلة دستورية رغم اشاداته بدور ابراهيم.
في تشريح لعلاقة اللواء مع الرئيس السابق ميشال عون، تبين الوقائع انه لم يتأخر يوما في التعاون مع رئاسة الجمهورية والذود عنها، ليس من باب العلاقة المشتركة والمطلوبة بين الموقعين بل لضرورات وطنية وتسيير شؤون جملة من الملفات الشائكة ابرزها اتمام ملف الترسيم البحري مع اسرائيل حيث كان ابراهيم على اتصال مفتوح مع الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين. ولم تشهد علاقته مع الرئيس نبيه بري شوائب وإنْ تخللها بعض “الندوب” التي لم تظهر على السطح. وكان لسان حال رئيس المجلس الذي جاهد لعقد جلسة تشريعية أنه لا يعارض التمديد لابراهيم، مع تشديده على لازمة مبدأ عدم الدخول في التمديد لشخص معيّن.
تنتهي مسؤولية ابراهيم الرسمية في الساعات المقبلة وسيعود الى منزله للتدقيق بهدوء ومراجعة ما حصل معه اقله في الاسابيع الاخيرة ليبني عليها معطياته في المستقبل، مع الاشارة الى انه تلقّى عروضاً للعمل بصفات استشارية ووظيفية في الخارج.
صحيح ان مَن يشغل هذا المنصب لا يقوم بمهمة امنية فحسب نظرا الى الاعمال التي يؤديها مع رئيس الجمهورية ومختلف الجهات السياسية والحزبية والدينية دونما استثناء. وكان اللافت على مدار محطات ابراهيم انه لم يدخل في عداوة مع اي جهة رغم فتورها مع “القوات اللبنانية”. ومعلوم ان مَن سمّاه هو “ثنائي” حركة “أمل” و”حزب الله”، لكنه لم يختلف مع الرئيس ميشال سليمان ولا مع خلفه الرئيس عون، وحافظ على بناء علاقة متوازنة مع رؤساء الحكومات وربطته صداقات مع الجميع تقدم مرتبتها الرئيس سعد الحريري. ولم تخرج اكثر الازمات الى النور ومعالجتها إلا وكان يشارك في اجتراح حلول كانت لها فوائد على دولة ولّادة للازمات والانقسامات. ومن هنا كانت له بصماته في اكثر من ملف، إذ كان يتواصل مع الاميركيين والاوروبيين لكنه لم يقطع علاقاته مع الايرانيين انطلاقا من موقعه الحساس. وانسحب هذا الاداء على التعاطي مع سوريا والسعودية وقطر والعراق وصولا الى البانيا. وكُتب الكثير في الايام الاخيرة عن انجازاته في بلد تهاوت فيه اكثر المؤسسات، ولا سيما بعد الطائف.
يغادر ابراهيم مكتبه الذي “تحتوي” جدرانه خزائن من الاسرار والمعلومات، لكنه يبقى حاجة لآخرين، وهذا ما ستثبته الايام اذا كُتب له العمل السياسي من بوابتي الحكومة أو البرلمان.