الهزات مستمرة داخل التيار الوطني: كنعان يعترض ولا يستقيل
كتبت جريدة “الأخبار”:
ما كان مُقدّراً له أن يحصل داخل التيار الوطني الحر صار حقيقة، إذ قرّر النائب جبران باسيل إعادة تنظيم الوضع القيادي والتنظيمي وفق آلية صارمة، ولو أدّت إلى خروج أو إخراج عدد من القيادات التي لم تعد تخفي خلافها معه في الإدارة الحزبية والمواقف السياسية. وبعد فصل النائبين الياس بو صعب وآلان عون، واستقالة النائب سيمون أبي رميا، ظهر أمس شكل آخر من المواجهة في المؤتمر الصحافي للنائب إبراهيم كنعان الذي عبّر عن موقف نقدي لطريقة إدارة التيار، لكنه لم يقرر الخروج منه، بل طالب قيادته بالعودة عن قراراتها. ودفع ذلك بباسيل إلى الطلب من جهاز الإعلام في التيار الرد علناً على كنعان وتأنيبه على إطلاق مواقف تتعلق بالشؤون الداخلية للتيار في مؤتمر صحافي، في خطوة تقدّر مصادر في التيار بأنها مقدّمة لاتخاذ إجراء بإحالة كنعان إلى المحكمة الحزبية تمهيداً لفصله أيضاً.وبمعزل عن الماضييْن القريب والبعيد اللذين حاول فيهما كنعان أن «لا يقطع» مع أحد في الداخل والخارج، وأن يمارس دبلوماسيته داخل التيار الوطني الحر كما خارجه، إلا أنه تحوّل أخيراً إلى اللاعب الأبرز في الفريق المناوئ لباسيل داخل التيار، رغم أنه لم يرغب بأن تنزلق الأمور نحو الإقالات والاستقالات كما حصل في الأيام القليلة الماضية، ولا يرى أي مصلحة له أو للنواب الممتعضين بالاستقالة أو الإقالة.
وخلافاً للثلاثي السابق ذكره، شارك كنعان في اجتماع تكتل لبنان القوي عشية جلسة الانتخابات الرئاسية الأخيرة في منزل باسيل، وقال رأيه كاملاً في ما يخص المرشح جهاد أزعور و«خطيئة انتخابه»، مؤكداً مع ذلك استعداده لتجاوز كل المآخذ والاقتراع لأزعور إذا حسم التكتل ذلك، وهو ما فعله فعلاً. ولاحقاً واصل كنعان التحرك الإيجابي بين باسيل والنواب الثلاثة. وحتى بعد إقالة بو صعب، كان الانطباع العام بأن العلاقة الشخصية بين بو صعب وباسيل هي ما أوصلت الأمور إلى هنا، نظراً إلى صداقتهما الوطيدة السابقة وشعور كل منهما بالغدر والخيانة. ولا شك أن كنعان وعون وأبي رميا ما كانوا ليصدقوا أبداً أن الرئيس ميشال عون يمكن أن يطلب في رسالة مكتوبة طرد ابن شقيقته الأقرب إليه، وأن يندفع باسيل بهذا الجزم لإخراجهم دفعة واحدة.
واضح في هذا السياق أن سوء التقدير تبعه سوء إدارة للملف. وقد بدا واضحاً قبيل مؤتمر باسيل وبعده أن الأخير لا يريد أي شكل من أشكال «الاستيعاب» أو «التفاهم» أو الاعتراف بخصوصيات داخل التيار، إذ يمكن لمن يشاء أن يستقيل من التيار ويبقى في تكتل لبنان القوي إذا كان يريد الجمع بين تمثيله العوني واستقلالية ما، أما إذا كان يريد الاحتفاظ ببطاقته الحزبية فعليه الالتزام بحرفية النظام الداخلي للتيار. والواضح هنا أن باسيل لا يريد مزيداً من أنصاف الحلول أو الهروب إلى الأمام تحت مسميات مختلفة، علماً أنه كانت لإقالة آلان عون تداعيات لمصلحته داخل التيار، فيما أعادت استقالة أبي رميا خلط الأوراق، ليطل كنعان في مؤتمره أمس بمظهر الحريص على استمرارية التيار ووحدته وقوته، علماً أن مشكلة الأخير الرئيسية تكمن في أن من يفترض أن يؤيدوه أو يشكلوا رافعة له داخل التيار أصبحوا بغالبيتهم خارجه.
وكان كنعان، عقد أمس مؤتمراً صحافياً، شدّد فيه على أنّ «المرحلة الراهنة تتطلب لمّ الشمل والحفاظ على دور التيار ووحدته وثقله النيابي. وهذا ما أعتبر نفسي مؤتمناً عليه». ولفت الى أنّ «الشرذمة طريق النهاية والانهيار. ولنا في تاريخ الأحزاب اللبنانية أكثر من دليل على ذلك. وإذا كان من حقّ القيادة أن تسهر على تطبيق النظام الداخلي للتيار، فمن حقّ القاعدة القلقة ولديها ملاحظات أن يُسمع صوتُها»، معتبراً أنّ «القلق عند القاعدة، لا يعالج بالتجاهل والتمسّك بالنصوص، بل بالحوار والتفهّم والتواصل الهادئ، لأن الشرخ سيضرّ بالتيار وبمبادئه ويؤذي نضاله ويتنكر لتاريخه». ووجّه كنعان دعوة إلى «حوار جدي وعميق»، مقترحاً مبادرة تنص على «التراجع عن كلّ المواقف والقرارات المسبقة من فصل واستقالات وإحالات مسلكية، ووقف الحملات الإعلامية بين أبناء البيت الواحد، وإعطاء مهلة أسبوع لحل إشكالية الالتزام من خلال حوار مباشر يجب أن يبدأ بالتفاهم على سقفه ومضمونه، وضمان الالتزام بالقرارات الحزبية وفقاً لآلية ديمقراطية واضحة وشفافة تتخطى الشكليات، إلى المشاركة الفعلية في اتخاذ القرار، مع عودة الجميع إلى المؤسسة الحزبية والمشاركة في اجتماعاتها وعقد خلوة للتكتل النيابي تضع الخطوط العريضة للأولويات السياسية والوطنية في المرحلة المقبلة».
وسريعاً، صدر عن اللجنة المركزية للإعلام والتواصل في التيار بيان استغرب «أن يلجأ أي نائب ملتزم بحزبه إلى عقد مؤتمر صحافي للحديث عن شؤون حزبه الداخلية، وكان الأجدى بالنائب إبراهيم كنعان أن يقوم، حرصاً على التيار، بأي مسعى جدي بشأن لمّ الشمل داخل أروقة التيار المفتوحة للنقاش وليس بحركة استعراضية في الإعلام (…) وكان الأحرى به أن يكون مثالاً للالتزام بالأنظمة الحزبية وبسياسة التيار، وليس محرّكاً لحالة سياسية خارجة عن النظام والأصول».