كتب ابراهيم ناصر الدين في “الديار”:
بينما كان رئيس حكومة العدو بنيامين نتانياهو يضع اللمسات الاخيرة على خطابه الذي سيلقيه امام الكونغرس الاميركي، نشر حزب الله الحلقة الثالثة من “مسلسل الهدد”، وفيها خرق غير مسبوق لأجهزة الدفاع “الاسرائيلية” في ذروة الاستنفار، ترقبا للرد اليمني على غارة الحديدة. وقد تقصدت المقاومة ان تعرض الصور بعد نحو 24 ساعة على التقاطها، حيث كشفت هشاشة القبة الحديدية، واخفاقها في حماية قاعدة “رامات دافيد” الجوية.
الرسالة “المهينة” واضحة، ولا ترتبط فقط بابعاد استراتيجية تفضح نقاط ضعف المنظومة الدفاعية “الاسرائيلية”، بل ايضا تحمل ابعادا تكتيكية مفادها ان المسيرة التي صالت وجالت فوق القاعدة الجوية الوحيدة شمال فلسطين المحتلة، كانت في مهمة استطلاعية فقط، ولو كان ثمة قرار باستهدافها لكانت احترقت بضباطها وجنودها وطائراتها. لكن التوقيت يبقى فقط لدى قيادة المقاومة، التي باتت تتحكم بايقاع العمليات العسكرية، وفقا لخططها وتقديراتها واولوياتها، وبعبارة مختصرة تقول “الامر لي”، وليس هناك اي هدف امني او عسكري بعيد عن متناول هذا السلاح الفتاك، وغيره من الاسلحة التي لا تزال في “بنك” المفاجآت.
ووفقا لمصادر مقربة من حزب الله، فان ما كشف عنه بالامس يتجاوز الحرب النفسية الى ما هو ابعد من ذلك بكثير، فالجمهور “الاسرائيلي” بات على قناعة ان ثمة خللا كبيرا في المنظومة الدفاعية العاجزة عن مواجهة سلاح المسيرات، لهذا فان “الرسالة” بالامس كانت لضباط وجنود الاحتلال في سلاح الجو، ومفادها ان قياداتهم السياسية والعسكرية تتركهم في “العراء”لمواجهة مصيرهم، بفعل الفشل في اعلى المنظومة القيادية في استشراف طبيعة المعركة الدائرة، وتقدير طبيعة “الخصم” الذي يواجهونه.
فمجرد ان تكون “الهدد” قد حلقت فوق رؤوسهم وهم لا يشعرون بذلك، فان كل من كان في القاعدة يوم الثلاثاء بقي على قيد الحياة، تضيف المصادر، لان حزب الله لم يقرر ان يرسل سربا من المسيرات ومعها الصواريخ الثقيلة لتدمير القاعدة بمن فيها، وهذا امر ستكون له تداعيات كبيرة داخل صفوف الجيش، وخصوصا القوى الجوية التي كانت تظن انها محمية وتتفوق على خصومها في كافة الميادين، واليوم ثبت عكس ذلك.
وستكون لزعزعة ثقة سلاح الجو بقيادته تداعيات كبيرة وخطيرة، خصوصا ان الحدث قد حصل بعد ساعات على تقارير امنية مسربة، اتهمت قيادة الاركان بالمسؤولية عن ترهل الجيش “الاسرائيلي وفشله”. وفي هذا السياق، لفتت صحيفة “جيروزاليم بوست الإسرائيلية”، الى ان ثمة اجماعا على مسؤولية رئيس الأركان هرتسي هاليفي، بالفشل في إعداد الجيش للحروب المستقبلية، وهي المهمة الرئيسية لأيّ رئيس أركان، وقد ظهرت الثغرات على جبهات القتال في غزة وجنوب لبنان واليمن.
وذكر التقرير أنّ هاليفي، رغم أنّه ورث الفوضى من أسلافه، فإنّه لم يفعل شيئا لتحسين الوضع، وخلال مسيرته المهنية استمر وضع الجيش في التدهور. وعددت الصحيفة مظاهر الفشل بالنقاط التالية :
– أولاً: الفشل في تأمين القواعد، حيث لم يطالب هاليفي بإعداد قواعد ومدرجات سلاح الجو، لاستخدام الطائرات الدفاعية ضد الصواريخ الدقيقة والطائرات دون طيار، التي تطلق على القواعد، والتي من شأنها أنْ تؤثر على قدرة الطائرات على الإقلاع لمهامها أوْ الهبوط.
– ثانيا: لم يضمن هاليفي حماية قواعد سلاح الجوّ من احتمال التسلل إليها بسهولة، وسرقة الذخائر والأسلحة في أوقات الحرب، وتخريب الطائرات والدبابات والأسلحة الأخرى.
– ثالثًا: غياب التخطيط البري، حيث لم يتطرق هاليفي إلى القوات البرية ولم يخطط لتوسيعها، بعد تقليص 6 فرق على مدى الـ20 عاما الماضية، وإنّ غياب مثل هذا النظام القتاليّ لن يسمح بالنصر في غزة. فماذا سيحدث في حربٍ إقليميّةٍ حيث ستضطر القوات البريّة إلى القتال في 6 مناطق في وقتٍ واحدٍ؟.
– رابعا: أهمل هاليفي إعداد الجبهة الداخلية لحربٍ إقليميّةٍ، بما في ذلك تدمير المستوطنات على الحدود الشمالية. ليس لدى الجيش “الإسرائيليّ” أيّ حلٍّ لإطلاق حزب الله اليومي لعشرات الصواريخ والقذائف والطائرات دون طيار باتجاه الشمال. تخيلوا ماذا سيحدث في حربٍ إقليميّةٍ عندما يطلق النظام الإيرانيّ ووكلاؤه آلاف الذخائر على “إسرائيل” يوميا؟َ!
وبحسب “جيروزالم بوست” فان الخطأ الخامس يكمن استثمار هاليفي كلّ المساعدات الخارجية الأميركية على مدى السنوات العشر المقبلة، أيْ ما يزيد على 18 مليار دولار، لشراء المزيد من الطائرات التي لن تكون ذات أهمية في الحروب المستقبلية في العقد المقبل.
وامام هذه المعطيات، اجمعت وسائل الاعلام “الاسرائيلية” على وصف الفيديو الجديد بانه خطير جدا ووصمة عار، يوضح مدى ضعف “اسرائيل ” ، لان الاختراق الجوي حصل في توقيت يشهد ذروة الاستنفار الامني، حيث تم تصوير مهاجع الضباط ومركز القيادة، مع الكشف عن اسم قائد القاعدة ومكان تواجده، وتصوير اماكن المقاتلات الحربية والمروحيات القتالية، وتلك المخصصة للانقاذ والاستطلاع البحري ومنظومات الحرب الاكترونية الهجومية والدفاعية.
وهنا يطرح السؤال المقلق، كيف لم يتم اكتشاف المسيرة؟ وكيف لم يتم اعتراضها؟ وكيف تمكنت من تضليل الدفاعات الجوية واجهزة الرصد والاستطلاع، واجرت مسحا طويل الامد وعادت الى قواعدها سالمة؟
في الخلاصة، باتت “اسرائيل” تدرك جيدا الكلفة الباهظة لاي حرب شاملة مع حزب الله، الذي يتدرج بالكشف عن “مفاجآته” التي تجعل من “اسرائيل” عارية ومكشوفة. عاموس هرئيل في صحيفة “هآرتس” يقول “ان لدى الحزب قدرات عسكرية سبعة أضعاف ما كان لدى حماس، والحرب معه هي مباراة مختلفة لانه يملك ترسانة من الأسلحة الفتاكة”، والاهم حسب قوله “ان الحروب السابقة مع لبنان اظهرت انه يظل ساحة غادرة”.
واذا كان توماس فريدمان، الداعم لـ “اسرائيل”، قد وصف بالامس في صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية رئيسَ الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو، بأنه “يبدو كزعيم صغير في لحظة تاريخية”، فان السيد حسن نصرالله قد اثبت بما لا يدع الشك بانه “لاعب كبير في لحظة تاريخية”.