الاخبار الرئيسيةمقالات

النسبة العليا لمعدّلات السمنة تُسجّل بين الأطفال: 70 % من العمليات الجراحية أسبابها طبيّة

عندما يقترب شخص أو بلد من البدانة، فهذا يضعه عند مفترق طريقين: الأول هو رحلة العودة غير اليسيرة، والثاني هو الاستمرار في التقدّم، ما يعني التعرّض لأمراضٍ تلتصق بالوزن الزائد مباشرة، أو من زيادة مضاعفات الأمراض المزمنة أيضاً، التي قد تصل إلى حدّ التسبّب بالموت. هذان التحديان باتا مفروضين على لبنان الذي يقترب من النسب العالمية للبدانة، ويختار أهله العودة عنها عبر العمليات الجراحية بوصفها الحلّ لمشكلة يشعرون بصعوبة معالجتها بطريقة مختلفة، ولكن كما في كلّ عمل جراحي، المحاذير ليست قليلة


فلنعد ثلاث سنوات إلى الوراء، إلى عزّ أزمة كوفيد ــ 19. في ذلك الوقت، سبّب الوزن الزائد واحداً من أخطر العوامل التي فاقمت حالات المصابين بالفيروس، خصوصاً بعدما بيّنت التقارير الطبية أن «أكثر الأشخاص الذين توفوا، أو الذين أُدخلوا إلى العنايات الفائقة في حينه كانوا من الأشخاص الذين عانوا من الوزن الزائد»، يحسم الاختصاصي في جراحة السمنة، محمد هيثم الفوّال. من هنا، كانت تلك الفئة، بحسب الفوال، أولى الفئات التي تنبّهت إلى الخطورة التي تتسبّب بها البدانة… وأكثر الفئات التي اتخذت أقصى الحلول، عبر التوجه إلى العمل الجراحي.

معدّل البدانة يتصاعد
بالأرقام، يسجّل لبنان معدّل بدانة يقارب الـ31%، فيما يصل معدّل الزيادة في الوزن (الذين تُراوح كتلة مؤشر الجسم لديهم ما بين 25 و30) إلى 67,9%. هذا ما تقوله آخر الإحصائيات الصادرة في عام 2016 عن معهد القياسات الصحية العالمي (IHME).
ست سنوات على هذه الأرقام لا تعني أنّ المعدّل اللبناني تحسّن، فقد تكون الإضافات أشدّ قساوة، إذا ما أخذنا في الحسبان أن الاتجاه العام للنسبة يرتفع مع السنوات ولا يتراجع، بدليل أن نسبة البدانة مع بداية الألفية كانت بحدود 23%، فيما الوزن الزائد كان بحدود 60%. وهذا ليس توقعاً، وإنما ما يجمع عليه اختصاصيون في جراحة البدانة انطلاقاً مما تشهده عياداتهم اليوم من زيادة الذين يعانون منها.

بناءً عليه يمكن القول إن لبنان دخل قائمة الخطر، خصوصاً أنّ البدانة ليست مجرّد زيادة في الوزن، وإنما قد تقترب في توصيفها من المرض. وتبعاتها تتخطى كمية الكيلوغرامات الإضافية التي نحملها، بل تتمدّد نحو صحة المصاب بها وعمره.
وفي هذا السياق، يشير اختصاصي جراحة السمنة، ماهر حسين، إلى تبعات السمنة على عمر الشخص البدين، مشيراً إلى أنها سبب ثانٍ، بعد التدخين، في تقصير عمر الإنسان من 8 إلى 16 سنة، وسبب ثالث في جعل الإنسان أكثر عرضة للإصابة بأمراضٍ مزمنة «وزيادة احتمالية إصابته بـ15 نوعاً من الأمراض الخبيثة بمعدّل أكثر من ضعفين»، وسبب خامس للوفاة عالمياً.
يضاف إلى ذلك أنّها «تؤثر على مناعة الجسم وتجعله أكثر هشاشة أمام أوجاع الظهر والديسك ومشاكل الرقبة»، ذلك أن حمل 40 كيلوغراماً إضافياً «يعني أنك معرّض أكثر للجلطات وتسكير الشرايين وضغط القلب والدماغ وارتفاع نسبة الكوليسترول الضارّ في الجسم وتشمّع الكبد…».

أسباب ارتفاع المعدّلات
لم يتحوّل لبنان إلى بلدٍ ثلث سكانه يعانون من البدانة بطرفة عينٍ، إذ احتاج الأمر إلى سنواتٍ شهدت تغييراً جذرياً في النمط المعيشي المتّبع لمعظم السكان. وإن كان ثمة سبب واحد للبدانة يتعلّق بالوراثة، بحسب الفوّال، إلا أن الأسباب الأخرى، وهي كثيرة، متصلة بنمط الحياة «الذي انقلب من حالٍ إلى حال»، يقول حسين. يقارن الأخير بين ما كان عليه الواقع قبل 60 عاماً، وما هي الحال عليه اليوم، ليقيس بالسنوات درجة التغيّر، حيث يشير إلى أن الانقلاب من حيّز الرشاقة إلى البدانة أساسه «الراحة المفرطة»، ففي السابق «لم يكن الوقت للراحة بقدر ما كان للعمل». يضاف إلى ذلك التغيّرات في نوعية الطعام وتوقيته، إذ إن «الطعام بات أكثر دسامة وضرراً بما أنه بات يعتمد على الوجبات السريعة معظم الوقت»، بحسب حسين. وينسحب الأمر على التوقيت الذي لم يعد مستقراً، إلى الدرجة التي بات فيها المواطن «يأكل طيلة الوقت». وما يزيد الطين بلّة هو قلة الحركة التي صارت أمراً شائعاً بين الكبار والصغار، بحيث استُبدلت الرياضة بالشاشات.

أوصلت هذه الأسباب، مجتمعة، إلى ارتفاع نسبة البدانة في لبنان لتقارب الـ31%. ولعلّ أخطر ما في الأمر أن النسبة العليا، بحسب اختصاصيّي جراحة السمنة، تُسجّل بين الأطفال. وهي «ظاهرة خطرة»، بحسب الفوال، إذ ينذر ذلك بأن السمنة باتت أمراً راسخاً… ولا عودة إلى الوراء.

العمليات الجراحية
تقول أبسط المعادلات إنه عندما يزيد عدد الوحدات الحرارية التي يتلقّاها الإنسان عن تلك التي يحرقها، يصبح الجسم أكثر عرضة لسلوك الدرب نحو البدانة. أما التفسير العلمي الأكثر صرامة لهذه المعادلة فيكمن في قياس الوزن بالنسبة إلى الطول، فعندما تتغلب كتلة الوزن، تصبح الحاجة إلى التدخل أمراً واجباً. مع ذلك، المعادلات ليست بهذه البساطة، وغالباً لا يكون اللجوء إلى عمليات جراحة السمنة سنداً لها، إلا في الحالة التي يصبح معها مؤشر كتلة الجسم (BMI) خطراً. وفي هذا السياق، توصي غالبية الجمعيات المعنية بعلاج البدانة العالمية باعتبار المؤشر الذي يسجّل 35، سبباً أولَ طبياً للتدخّل الجراحي. وتذهب بعض الجمعيات في دراساتها، ومنها جمعية ERSO، إلى التساهل في هذا المؤشر، حيث تشير إلى إمكانية التدخل عند حدود 30 وصولاً إلى 34 في حال ترافقت هذه النسبة مع وجود أمراضٍ مزمنة، وتحديداً مرض السكري، وهو ما يُطلق عليه السمنة المرضية. ويشير حسين إلى أن التوصيات الطبية الحديثة تكاد تكون صارمة في ما يخصّ مرافقة السمنة لمرض السكري، حيث إنها أكثر ميلاً للجوء إلى الجراحة، مع الأخذ في الحسبان أن هذا الإجراء يساعد في «الخلاص» من الإصابة بحدود 80%. وينسحب هذا الأمر أيضاً على المصابين بضغط القلب، إذ تصل النسبة بحسب حسين إلى 90%.

التدخل الجراحي
عادة لا تكون الجراحة أول الإجراءات التي يلجأ إليها المرضى، فغالباً ما تكون آخرها و«يجب أن تكون كذلك»، يقول اختصاصي جراحة السمنة، حبيب عجمي. أما عندما تصبح العملية أمراً واقعاً، فيشير عجمي إلى أن التعليمات الطبية قد تصل إلى اعتماد مؤشر 30 كسبب للتدخل، لجسم يعاني من البدانة مع أمراضٍ مزمنة (سكري وضغط…).
في الأعمّ الأغلب، تُحصر هذه العمليات ضمن خانة الأسباب الطبية، إلا أن عجمي لا يلغي من ضمن الأسباب التي تدعو البعض إلى إجراء الجراحات، «العامل التجميلي»، مشيراً إلى أن «30% من العمليات التي أجريها في عيادتي هي عمليات تجميلية و70% عمليات استناداً إلى سبب طبي». ولا يجد عجمي مبرّراً يمنع إجراء العمليات لأسباب تجميلية إن تسبّب ذلك الوزن بأزمة نفسية لدى الشخص. يقول: «إذا كان الشكل سيجعل من فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً وبوزن 82 كيلوغراماً مثلاً إنسانة مستوية نفسياً فلا مانع من ذلك»، خصوصاً أن الكثيرين اليوم «يعيشون معيار الجمال على إنستغرام وفايسبوك».

أنواع العمليات
أما بالنسبة إلى العمليات التي تُجرى، فكما كلّ «ثورة»، ثمة ما ينشأ على الأطراف مما يمكن اعتباره موضة أكثر مما هو إجراء طبي جدي. ونذكر هنا أنواعاً غير جراحية كبوتوكس المعدة والبالون اللذين يعتبرهما عجمي وغيره من الأطباء «أكبر كذبتين». ويضاف إليهما كذلك حبوب التنحيف التي تلقى رواجاً أيضاً، من دون أن تخرج هي الأخرى من إطار الكذبة، بحسب الأطباء.

أما في ما يتعلق بالتدخلات الجراحية، فيشير حسين إلى وجود 4 تدخلات جراحية جدية، وهي عمليات قص المعدة ـــ التكميم (Sleeve)، وطيّ المعدة، وتحويل المسار الكلاسيكي والمصغر. قبلها، كانت العملية الرائجة هي ربط المعدة التي بدأ العمل بها أوائل تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها لم تستمر طويلاً إذ «إنّها تسبّبت بالكثير من المشاكل، مثلاً كانت الحلقة الرابطة تدخل أحياناً إلى المعدة، أو تُحلّ مع تغيير نظام الغذاء، وغيرها من التداعيات التي جعلتنا نتوقف عن إجرائها».
اليوم، تلقى عملية قصّ المعدة رواجاً لمن تزيد أوزانهم بمعدل 30 إلى 40 كيلوغراماً. ميزة هذه العملية أنه «عندما نقصّ المعدة، فهذا يعني أنها لم تعد تستوعب كميات الطعام الكبيرة التي كانت تستوعبها سابقاً، أضف إلى أن الطعام بات ينزل إلى المعدل أسرع بثلاث مرات وهو ما يؤدي إلى تهيّج الخلايا في الأمعاء الدقيقة التي تفرز هرمون الشبع»، يقول حسين، أما الميزة المضافة فهي أن «الإنسان يستعيد حياته الطبيعية مع اتّباع نظام غذائي يساعد على الوصول إلى الوزن المثالي».
وماذا عن مخاطرها؟ عن هذا السؤال، يجيب الفوّال بالقول إنه «لا وجود لعمليات من دون مخاطر ونسبة الوفيات بها هي واحد بالألف كما هي الحال في عملية المرارة مثلاً، ونسبة حدوث المشاكل هي مريض من أصل 200». وإذا ما كان الخيار بين العملية والسمنة «عندما تكون الاثنتان في ميزان واحد، فإن العملية أقلّ خطورة من بقاء السمنة».

أما عملية تحويل المسار، فهي التي تُجرى لمن تفوق الزيادة في أوزانهم الـ40 كيلوغراماً، وتفشل عملية قص المعدة لديهم، بحسب عجمي. لكن مشكلة هذه العملية، وإن كانت ناجحة بالمعيار الطبي، أن «التحويل المصغّر يفرض على المريض تناول الفيتامينات مدى الحياة مضافاً إلى النظام الغذائي، وكذلك الحال بالنسبة إلى عملية التحويل الكلاسيكي التي تفرض تناول فيتامينات لمدة أربع سنوات كأقرب تقدير».
أما بالنسبة إلى الإجراء الرابع، فهو عملية الطيّ التي تُجرى بالمنظار عن طريق الفم، ولمن تقلّ الزيادة في أوزانهم عن 30 كيلوغراماً. ورغم أن هذا الإجراء لا يزال قائماً، إلا أن «الموضة» اليوم تتجه أكثر صوب القصّ والتكميم، من دون أن يعني ذلك أن الأمور تنتهي عند تلك المرحلة، إذ غالباً ما يشدّد الأطباء على أن العملية هي أول العلاج لا كلّه، «فهي تعمل مباشرة على خفض الوزن بنسبة معينة، إلا أن الوصول إلى الوزن المثالي هو باتّباع نظام غذائي قد يستمرّ مدى الحياة»، يقول الفوال.

زر الذهاب إلى الأعلى