الاخبار الرئيسيةالصحافة اليوممقالات

الناسُ (الشيعةُ) بالناس والقِطّةُ (اللبنانيةُ) بالنّفاس

الناسُ (الشيعةُ) بالناس والقِطّةُ (اللبنانيةُ) بالنّفاس

كتب عبد الغني طليس في “اللواء”:

أهل الجنوب على الأرض. أهل البقاع. أهل الضاحية. الشيعة في لبنان يحملون التراب الطاهر ويتقدّمون به في وجه المحتل. وأصوات الذلّة والمهانة والاستعباد تحاول أن تفسّر: حزب الله حرّض. الرئيس برّي خطط. الشيعة سيرسمون عقدة نفسية في عيون أخصامهم وأعدائهم والقلوب. حبّ الأرض والتعلّق الاستشهادي بها. سينتهي النهار بالنصر والإقامة على البيوت المدمّرة. وربما لن ينتهي النهار. مواكب الجنوب كانت تشيّع نتنياهو وخططه، لكن للأسف كانت أمام تشييع ما تبقّى من الدولة «الجديدة» قبل أن تبدأ.

وفي الداخل اللبناني كلام آخَر في تشكيل الحكومة. بهذا الكلام يريدُ الذين يرسمون التشكيلات، بعيداً من الشخص المَعني الرئيس المكلّف نواف سلام، أي في المواقع الإلكترونية والإعلام، أن يأخذوا اعترافاً واضحاً وصريحاً من الرئيس نبيه برّي وحزب الله بأن نوابهم المنتخَبين ليسوا جديرين بالوزارة، لا بل إن الشخصيات التي قد يرشّحونها إلى الوزارة غير مأمون عملُهم وغير مقبول. هذا هو بالضبط ما يجري اليوم. والمعنيّون بهذه الفذلكة يتحركون يساراً ويمينا ويدوّرون الكلام والجُمَل للوصول إلى هذه الغاية.

ضعوا هذا الموضوع جانباً وتعالوا نسأل: هل يقبل الأستاذ وليد جنبلاط أن يقال له أن الوزارة الفلانية ستُعطى لطائفتك لكن لا تستطيع أن تختار لها نائباً من كتلة «اللقاء الديمقراطي» لأنهم «فاشلون» (والعفو على هذه الكلمة!) بل لا تستطيع أن تختار أنت للوزارة مَن يتولّاها، وإنما نحن نسمّي وأنت توافق سواء كنت راضياً عنه أو متحسّساً منه؟ وهل يقبل جنبلاط هذا التحدّي له؟

واسألوا الدكتور سمير جعجع الذي يقول إن العقدة هي في الممانعة، إن كان سيوافق على وزير يمثل الموارنة، تحديداً «القوات اللبنانية» من دون استشارته، ومن الشخصيات التي لا ترتبط به بشكل أو بآخَر؟ وماذا يمكن أن يقول عن طرح يوجّه إليه كهذا الطَّرْح «الطُّرْح»؟

إسألوا مراجع أي طائفة أو تكتّل نيابي إذا كانوا يمَرّرون هذه «الإهانة» على أنفسهم، أو على الأقل هذا التجاوز الأرعن لهم، فإن قبلوا ورحّبوا عندئذٍ تتحقق «وحدة المعايير» التي يطالب بها البعض من التغييريين والتقليديين وغيرهم الذين يبدو أنهم فرغوا من تغيير كل العادات والأعراف والمحاصصات وامتيازات طائفة النجوم الخمس في لبنان ولم يبقَ إلّا ما لدى الطائفة الشيعية من سقط المتاع!؟

المشكلة الكامنة والظاهرة هي أن النواب الشيعة كلهم لحركة أمل وحزب الله، والبحث عن نائب من خارج هذا التحالف بدأت قبل الانتخابات النيابية لتأمين ولو نائب شيعي واحد لا ينتمي إلى هذا الثنائي، ولم يوفّق المسعى، وهم كانوا يريدون ترشيحه لرئاسة المجلس النيابي أصلاً. وراحت هذه المشكلة تظهر مع كل تشكيلة حكومية « محاولين» اختيار شخصية شيعية من خارج شعبيةِ الحركة والحزب وبيئتهما من دون جدوى.

الآن المعركة هي نفسُها. ولأن المرشّح لوزارة المالية النائب السابق ياسين جابر رجل مرموق في العمل السياسي ولا عليه شبهات، وليس نائباً حالياً فقد وجدوا له «إنّ» وهي قربُه من الرئيس بري وصداقته مع حزب الله.

هناك دلَع و«عنفَصة» خاصة ببعض اللبنانيين الذين يفتشون ولا يجدون طريقاً لاختراق التكتلين النيابيين الشيعيّين في هذه المرحلة التي يظنونها مناسبة ليتراجع الرئيس بري والحزب خطوة إلى الوراء كي يضيفوها إلى ما يعتبرونه تراجعاً.. أمام إسرائيل. لا بأس أن يساووا أنفسَهم بإسرائيل طالما أن الهدف هو ضرب أي خاصرة من خواصر الشيعة.

والأنكى أن بعض المعارضين للثنائي داخل البيئة الشيعية يدافعون عن إسناد وزارة المال للشيعة لكنهم يرفقون الموافقة بأن يتولّاها أحد ممن لا صلات سياسية أو حتى إمكانية تعاون مع قيادات الشيعة، بمعنى إحدى شخصيات ثورة ١٧.

لا أعرف ما إذا كان المشاركون في هذه «الخزعبلات» يعرفون أن هذا النوع من «الفرض» لا يمكن أن ترضى به أية طائفة على الإطلاق، فكيف بالطائفة الشيعية التي قالت كلمتها كغيرها في الانتخابات النيابية الأخيرة وكانت لصالح الثنائي، والتي عليها مسؤولية تحرير المناطق المحتلّة اليوم أمام الجيش اللبناني!؟

ولا أعرف ما إذا كانوا يعرفون أن الرئيس نبيه بري الذي يدرك تفاصيل التفاصيل في السياسة اللبنانية، ويكشف الأخضر واليابس من المواقف قبل أن تحصل في الواقع، ويرسم طرق النجاة للبلد كله في بعض المراحل، يمكن أن يتراخى أمام مطالبات من هذا النوع.. لكن لا بأس في أن يجرّب البعض ما جُرّب في السنوات الأخيرة وطلع عقله مخرّباً.

والطائفة الشيعية التي لم تجد من خارج بيئة الحركة والحزب من يدافع عنها في هذه المرحلة العصيبة إلا قليلاً وقليلاً جداً، ليس صعباً عليها فحسب، بل يستحيل أن تُغمض عينيها عن أي موقف أو نيّة تضاف إلى المواقف والنوايا العدوانية الداخلية بأقسى مما تفعله إسرائيل أو كتكملة لأفاعيل إسرائيل في الجنوب الذي يُحرَق ويدمّر ويجرّف على مرأى ممن لا يقولون كلمة ضدّه، وغالباً يساعدونها في خلق الأعذار لبقاء جنودها ستين يوماً إضافياً لإتمام الحرق والتدمير والجرف.

إن الستين يوماً السابقة كانت «ضرورية» ولو أنها محنةٌ بحد ذاتها، ضرورية ليكتشف الجنوبي، نيابة عن كل اللبنانيين، أن معرفته بإسرائيل وجيشها هي المعرفة الوثيقة القائمة على التجربة مع الغيلان والضباع وأكلة لحوم البشر، وأن المقاومة التي أوقفت إسرائيل على رِجْل ونصف لأكثر من عشرين عاماً، لا غيرها قادر على إعادة الأهالي إلى قراهم وبلداتهم.
أسئلة كبرى ستكون اليوم أمام العالم ولا أقول أمام اللبنانيين، الفينيقيّين تحديداً الذين في قلوبهم مرض الأنانية والشماتة، وقد عرفهم الجنوب وأهله في السلم والحرب.

هي أيامُ الحسم. وينبغي أن يكون الاستعداد كاملاً بين الناس ولدى المقاومة للجواب عن سلْبَطة نتنياهو..

أما تشكيل الحكومة من دون بيئة الشيعة المنتخَبة أو الموالية وهي الأكثرية الساحقة فلنتركه لبعض الأشاوس يصرخون ويحتقنون في الإعلام التلفزيوني إلى أن يفرجها الله عليهم بتحقيق أضغاث الأحلام.

وللمثَل في بلدنا ما لا يقف عليه حكيم حين يقول إن الناس (الشيعة اليوم) بالناس، والقِطّة اللبنانية بالنّفاس، والقابلة القانونية هي نتنياهو!

لكنْ، وسط كل هذا السيل العارم من الجنوبيين والبقاعيين وأهل الضاحية الذين وقفوا مع أهلهم على تراب الجنوب، هل يكون الخاسر الأكبر هو الدولة اللبنانية ورئيس الجمهورية جوزف عون بالتحديد الذي دُعي إلى توجيه رسالة علنية بالصوت والصورة إلى العالّم كلّه يدعوه فيها إلى الضغط على إسرائيل لتنسحب فور انتهاء المهلة « القاتلة» (الستين يوماً) وقبل تحرك الناس إلى قُراهم وبلداتهم، فآثر الصمت والغموض ثم استلحق نفسه يوم الزحف الكبير بكلمة متأخّرة لا أغنت ولا أسمَنَت من جوع. لقد سبق الناس دولتهم ورئيس جمهوريتهم وثبّتوا أمام العالَم شرعية الأرض لهم ولشهدائهم ولأبنائهم من بعدهم.

لا شكّ في أن «الحُب» الذي أظهره العالَمان العربي والغربي لانتخاب الرئيس عون أقعده عن مبادرة كهذه خشيةَ زعَل من هنا، وحذَر من هناك، فصدَقت مقولة «ومن الحب ما قتَل». فإذا كان ذلك الموقف بقرار من الرئيس فتلك شخصية قائد الجيش المنتظِر دائماً قراراً سياسياً يغطيه لا شخصية رئيس الجمهورية الذي ينبغي أن يُبادر. أما إذا كان عمَلاً بنصيحة، فالناصح ينبغي أن يقيَّد قولاً وفعلاً ومباشرةً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى