المقاومة ضربت… فأوجعت الإعلام المتصهين
كتب نزار نمر في “الأخبار”:
منذ بداية «طوفان الأقصى»، انضمّت وسائل إعلام لبنانية وعربية إلى عدد من نظيراتها العبرية والغربية في توظيف نفسها أداة بيَد آلة البروباغندا الحربية الصهيونية، عمداً أو حقداً تجاه الفلسطينيّين ومختلف حركات المقاومة. لذا، لم يكن مفاجئاً تصرّف هذه الوسائل أمس مع ردّ المقاومة في لبنان على اغتيال قائدها الشهيد فؤاد شكر. إذ راحت تنشر أخباراً تدعم السردية الإسرائيلية عن «هجوم استباقي» على المقاومة، زعم العدوّ أنّه «دمّر 200 منصّة إطلاق وستّة آلاف صاروخ ومسيّرة معدّة للإطلاق»، رغم أنّه معروف أنّ كيان العدوّ لا يعترف بخسائره، وإن فعل، فبعد وقت طويل وليس بشكل كامل، فضلاً عن أنّ الرقابة العسكرية لديه تمنع نشر أيّ أمر متعلّق بمواقع عسكريّة متضرّرة.
وبما أنّ المقاومة في لبنان تفصح عن أسماء كلّ شهدائها، فقد شكّك متابعون من الطرفَين بهذه المزاعم التي ــ إن صحّت ــ تعني ارتقاء مئات الشهداء من المقاومة، وهي لم تكن الحال فعلاً. حتّى رئيس «معهد دراسات الأمن القومي» في الكيان تامير هايمن، صرّح بنبرة لم تخلُ من لغة وعيد تُعتمد ضمن الحرب النفسية، بأنّه «لو كان حزب الله خطّط فعلاً لإطلاق 6 آلاف صاروخ ومسيّرة تجاه الشمال والوسط، كما تشير بعض التقارير، لكنّا رأينا بيروت تحترق الآن. لا يمكن أن تكون هذه الخطّة، والردّ الإسرائيلي على خطوة مماثلة يعني بداية حرب شاملة». ما سبق يضع الإعلام أكثر تحت المجهر، وخصوصاً أنّه نشر سلسلة منشورات تهويلية كما درجت العادة، بعضها ناقض ما كان قد نُشر سابقاً! منذ الصباح الباكر، بدأت وسائل إعلامية مثل قناة mtv وصحيفة «النهار» وموقع «الكتائب» وإذاعة «لبنان الحرّ» و«لبنان 24» و«صوت بيروت إنترناشيونال» و«سكاي نيوز عربية» وغيرها الكثير، في نشر تغريدات مثل «الجيش الإسرائيلي: ندعو اللبنانيّين المتواجدين قرب مكان عمليّات حزب الله إلى مغادرة أماكنهم». وأبت mtv التي تنقل يوميّاً تهديدات قادة كيان العدوّ وقوّاته بلا تعليق، وتوظّفها في سياق حملة التهويل الإسرائيلية المستمرّة على اللبنانيّين، إلّا أن تكون رأس حربة في حملة التهويل، فأطلقت سلسلة لا تنتهي من الأخبار العاجلة والتغريدات كلّها منقولة عن مسؤولين في الكيان وقوّاته وإعلامه، وواحد منها أورد «نتنياهو: الجيش دمّر آلاف الصواريخ التي كانت موجّهة لشمال إسرائيل وأدعو الإسرائيليّين إلى متابعة توجيهات الجبهة الداخلية، ونحن مستعدّون للدفاع عن دولتنا».
هي نفسها التي دفعتها الأسبوع الماضي رسالة واحدة من حركة «حماس» لـ«حزب الله» إلى البوح بتعليقاتها السلبية، فسألت في إحدى مقدّماتها الإخبارية «بأيّ حقّ تُدرج حركة «حماس» لبنان في محور المقاومة؟ ومن نصّبها منظّمة دولية تصنّف الدول والأمم كما تشاء؟ وهل تتذكّر حركة «حماس» عندما توجّه رسالة إلى «حزب الله» أنّ هناك دولة اسمها الدولة اللبنانية، وأنّ هذه الدولة لا سواها مسؤولة عن قرار الحرب والسلم؟». هكذا، تجاهلت القناة كلّ الاعتداءات الإسرائيلية التي لم تحثّها على التعليق مرّة، ولو لقول إنّ «قرار الحرب» بيَد كيان الاحتلال، وتناست أنّ لبنان هو البلد المحتلّ من «إسرائيل» مباشرةً بعد فلسطين، وأنّ «إسرائيل» لا تلتزم حتّى بتوصيات الأمم المتّحدة والمحاكم الدولية. لكنّ القناة التي لا يُعرف لماذا أزعجتها إلى هذا الحدّ رسالة تتحدّث عن زوال «إسرائيل»، ولماذا تصرّ على نقل السردية الصهيونية وخصوصاً في ظروف دقيقة تستدعي المسؤولية كما أمس، عادت وحاولت حفظ ماء وجهها بعدما تبيّن تحقيق ردّ المقاومة أهدافه بعكس السردية التي روّجتها على لسان العدوّ، فراحت تنقل آراءً من الطرف الآخر نهاراً، بما في ذلك تغريدة من النائب السابق أمل أبو زيد اقتبست عنها بأنّ «ردّ «حزب الله» يكرّس معادلة الردع».
دأبت قناة «العربية» السعودية على التهويل مدّعيةً «إلغاء معظم رحلات الطيران إلى بيروت»
من جهتها، شاركت LBCI في منشورات مشابهة، رغم أنّها هي ذاتها تبثّ تقارير سياحية في ما تعتبره تحدّياً للتهويل بالحرب، وكانت قد بثّت تقريراً قبل أيّام اتّسم بالمسؤولية، فنّدت فيه الحرب النفسية التي يشنّها العدوّ وانتقدت تأجيجها من أطراف داخلية لأحقاد خاصّة تشارك معه في التهويل على اللبنانيّين والإضرار ببلدهم من حيث تدري أو لا تدري. وممّا نشرته LBCI أمس تقرير حمل عنوان «أسهم تل أبيب ترتفع بعد احتواء هجوم حزب الله على إسرائيل»، مع صورة كبيرة لعلم الكيان تظهر أيضاً مع نشر الرابط على منصّات التواصل الاجتماعي. أمّا «الجديد» ورغم بثّها أخباراً ومقاطع عن ردّ المقاومة وما تسبّب به في الكيان، إلّا أنّها شاركت أيضاً في سردية الهجوم الاستباقي، فكان لها منشورات مثل «إعلام العدوّ الإسرائيلي: هجوم حزب الله كان موجّهاً نحو منشآت استراتيجية في إسرائيل وتمّ إحباطه قبل 15 دقيقة من بدء تنفيذه»، و«نيويورك تايمز: إحباط هجوم للحزب كان موجّهاً إلى تل أبيب في الخامسة فجراً». ولئن أُرفق المنشوران السابقان بمصدرَيهما، إلّا أنّ «الجديد» أتبعتهما بمنشور آخر عن لسان قوّات العدوّ، فنشرت: «جيش العدوّ الإسرائيلي: 100 طائرة حربية شاركت في الضربة الاستباقية على حزب الله».
لكن رغم ما سبق، كانت القنوات المحلّية تحاول تطمين اللبنانيّين بأنّ المطار تسير رحلاته بشكل طبيعي. من جهة أخرى، كانت قناة «العربية» السعودية تهوّل مدّعيةً «إلغاء معظم رحلات الطيران إلى بيروت»، ونشرت أيضاً مقطعاً مع العنوان التالي: «بعد إعلان حزب الله انتهاء المرحلة الأولى من الردّ على إسرائيل «ثأراً لفؤاد شكر… صوَر متداولة تظهر حريقاً في مدجنة شمال إسرائيل وحديث إسرائيلي عن نفوق العشرات من الدجاج». في المقطع، يسأل المذيع في اتّصال مع رئيس تحرير موقع «جنوبية» علي الأمين عن هذه المشاهد، فيردّ الأمين بأنّه يجب الانتظار لاتّضاح صورة الاستهدافات التي قام بها «حزب الله»، ليقاطعه المراسل قائلاً إنّ «الصورة تعلّق بنفسها وهي من ألف كلمة»! وركّزت قنوات خليجية عدّة على هذا الخبر بهدف التبخيس من قدرات المقاومة، واستدراج حملات السخرية، وهو ما حصل فعلاً عند بعض جمهورها. فوق ذلك، استقبلت القناة التي خسرت ثقة الجمهور العربي خلال الأشهر الماضية بسبب تخندقها في صفّ العدوّ، المتحدّث باسم «جيش» الاحتلال أفيخاي أدرعي، ونشرت مقطعاً من المقابلة على صفحاتها الافتراضية مع عنوان: «نجحنا نجاحاً كبيراً… الجيش الإسرائيلي لـ«العربية»: استهدفنا أكثر من 1000 منصّة صواريخ لحزب الله». كما برزت منشورات تُظهر التناقضات التي اعترت قناة «الحدث» التابعة لـ«العربية»، بحيث ذهبت من الاستخفاف بردّ المقاومة وتسخيفه إلى حدّ الاعتراف بأنّها أصابت أهدافها. جبهة الإسناد الإعلامية للعدوّ، تجلّت أيضاً عند «سكاي نيوز عربية» التي راحت تمجّد ردّة فعل كيان الاحتلال، فأوردت مثلاً أنّ «ضربات إسرائيل أحبطت هجوماً عليها قبل وقوعه بربع ساعة»، ونقلت في خبر متلفز: «لحظة اعتراض مسيّرة لحزب الله فوق شمال إسرائيل». هكذا، لا يزال جزء كبير من الإعلام يعيش في عالم ما قبل «طوفان الأقصى»، مستغبياً الناس في العالم بأسره.