كتب مبارك بيضون
تستمر المعارك في قطاع غزة المحاصر لليوم 125 بتسجيل صمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها، فبالرغم من الاجتياح البري للقطاع استمرت المقاومة بإطلاق رشقاتها الصاروخية على تل ابيب، مع عودة السيطرة المدنية لحركة حماس على شمال القطاع رغم التواجد الإسرائيلي فيه، واللافت في الأمر صمود أهل غزة رغم الدمار الهائل وغياب وسائل الحياة والاستمرارية، وتوغل الاحتلال في سبيل تحقيق مخطط التهجير، عبر استهداف كل ما يمت للحياة بصلة، وبالرغم من الهجوم الجوي والبري والبحري على غزة، فإن البنية العسكرية لحركة حماس ما زالت موجودة، ناهيك عن وجود ما لا يقل عن 6 ألاف مقاتل ما زال نشط في أرض المعركة، إلا أن حماس بدأت بالتحضير لليوم التالي من انتهاء المعركة.
التهويل الاسرائيلي باجتياح بري لرفح، ما هو الا محاولة لتسجيل نصر وربح أوراق قوة قبيل الجلوس على طاولة المفاوضات القائمة برعاية قطرية ومصرية والتي ستكون طويلة ومعقدة، إذ إن نتنياهو لم يعد في جعبته سوى التصعيد المبرمج والذي يترجم في الميدان بالقصف المدمر والإبادة الجماعية لسكان القطاع لضرب ما تبقى من مواثيق دولية بالرغم من المناشدات العالمية لوقف العدوان، وذلك بعدما فشل الجيش الاسرائيلي بتحقيق أي من أهدافه، إن كان القضاء على حماس أو تحرير الاسرى دون قيد أو شرط، واحتلال قطاع غزة، ليعود حل الدولتين الى الواجهة من جديد بالرغم من رفض اليمين الصهيوني الذي ينتقل من مرحلة إلى أخرى ومن فشل الى آخر لهكذا طرح، وذلك لصنع صورة نصر تمكن حكومة اليمين المتطرف من الاستمرار في اليوم التالي لانتهاء الحرب.
الاجتياح البري لجنوب غزة سيجعل من مصر المتضررة الأبرز، إذ إن ما لا يقل عن 2 مليون فلسطيني يقبعون في رفح، وأن أي اجتياح بري لجنوب غزة، يعني اندفاع الفلسطينيين الى سيناء للنجاة من العدوان الاسرائيلي. ليصبح الموقف المصري هو الفيصل في هذه العملية، خاصة مع التهديدات المصرية من احتلال خط فيلادلفيا والمس بمعاهدة كامب ديفيد، لذلك ترى بعض الأوساط أن الوقت ليس لصالح الجيش الاسرائيلي لما له من تأثير على الادارة الامريكية والتي تنعكس على الشعب الامريكي والانتخابات الرئاسية، والتي تؤكد استطلاعات الرأي عن تراجع شعبية بايدن لصالح دونالد ترامب.
وعلى صعيد الجبهة اللبنانية، تبقى ضمن جبهات الإسناد الأولى لغزة، بالرغم من تقديمها ما يربوا على الـ 200 شهيد من المقاومة والجيش القوات الأمنية والمدنيين، وهي جبهة حافظت فيها المقاومة على بيئتها الحاضنة، إذ حصرت المعارك بالقرى الحدودية، وهذا ما حفظ المصلحة العامة اللبنانية، وهنا يبرز العقل الاستراتيجي لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، الذي لم ينجرف وراء الشعبوية والدعوات الى فتح الجبهة اللبنانية على مصرعيها، وهذا ما ثمنته قيادة حركة حماس أثناء لقائها مع السيد نصر الله، التي تأكدت أن فتح الجبهة اللبنانية يعادل حربًا إقليمية قد تقضي على ما تبقى من القضية الفلسطينية.
لذلك نجد أن تهديدات قائد سلاح الجو الإسرائيلي اللواء تومر بار لحزب الله، والذي أعلن عن أن الجيش الاسرائيلي على جهوزية تامة للحرب على لبنان، ما هي إلا تصريحات للتسويق الإعلامي عقب فرار المستوطنين من شمال الأراضي المحتلة، والذي أصبح خاوي على عروشه بسبب ضربات حزب الله المؤلمة التي طالت المستوطنات المحاذية للحدود اللبنانية. وفي محاولة اسرائيلية لجر الحزب الى المعركة تستمر الضربات الأمنية خارج نطاق حدود المواجهة وذلك لاستفزاز الحزب ليكون هو من يبدأ الحرب الكبرى.
أما الجبهة السورية التي لم تتحرك بعد بشكل علني، فيعود ذلك إلى أسباب عديدة، أبرزها حداثة تجربة المقاومة في الجولان المحتل، إذ حاول الإيرانيون ومن خلفهم حزب الله إيجاد حالة من المقاومة في المنطقة الجنوبية لسوريا، و المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة لتكون قوة رديفة في أي حرب مستقبلية، إضافة إلى تداعيات فتح الجبهة على الجيش السوري المنهك بفعل حرب مفروضة على سوريا منذ العام 2011، ناهيك عن ان القسم الاكبر من القوات السورية متواجدة في الشمال في مقابل محافظة إدلب الواقعة تحت سيطرة جبهة النصرة، فتكون هناك صعوبة في نقل القوات والعتاد الى الجنوب دون الإخلال بتوازن الردع مع الإرهابيين. إلى ذلك تعد دمشق قلب محور المقاومة، فإن أي هزيمة تتلقاها ستؤدي إلى قطع الأوصال بين دول المحور.
في المحصلة، يبدو أن الادارة الأمريكية ومن خلفها حكومة نتنياهو قد أخطأوا في حساباتهم في الحرب على غزة، لأن المتغيرات التي حصلت لم تكن في الحسبان، وأن المشهد الوحشي لم يكن ليفسر الا ان اسرائيل باتت دولة مارقة أسدل الستار عن ديمقراطيتها وظهرت على حقيقتها.