محمد حسين بزّي*
وأنا لم يبقَ لي إلا صوتي فليمت بعد هذه القصيدة:
أنا هنا لن أُقرِئ الموتى السلام
ولا أُمي
ولا أبي
ولا جدتي العليلة..
ولن أكتب على وزنٍ
ولا على تفعيلة
فقد أضنانا «الخليل»
وفضحتنا «الخليلة»
ونعانا العويل
واغتصبتنا الرذيلة
وفعلت الأفاعيل
وقلنا: ياااا جميلة..
فالوزنُ غزَّة
والشِعرُ غزَّة
واللغةُ غزَّة
والأمةُ غزَّة
والأسماءُ غزّة
وغزّة وحدَها،
وحدَها الجليلة..
وسأشتم كلَّ ناظر..
وكلَّ صامت، مهما علا شأنُه
حتى لو كان الشِعرَ نفسَه..
وسأبصقُ على فنّ الخطابة
وأفّوَهِ خطاب
ما لم يكن دبابة
وبندقيةً وحِراب..
وسألعنُ كلَّ من هان
وكلَّ من خان
وكلَّ من صافح
وكلَّ من سامح
وكلَّ من لم يستشهد لأجلِ غزّة..
وأقول هنا:
ماذا لو أُذِنَ بالقيامة
وزغرد الرصاص
وأُذِنَ للنجيع
أن يكتب سطور البداية
ويُعلنَ النفير
وتموتُ بدمها الوردات
وتشربُ ظمأها المنايا
وتثورُ منَّا الرفات
ونروي أولى الحكايا
وتؤمّ الجنازة الصلاة
وتُصلّي خلفها الكرامة؟
وماذا لو قتلنا «نعم» و«واو» الجماعة
وجماعة «الواو»
وأعلنت عن نفسها «لا»
وقتلنا الحارسَ والفارسَ والكنَّاس
وأشبعت بطنها المجاعة
وخرجت من بيوتها الناس
تخلعُ بُردة المهانة؟
وماذا لو قامت الشعوب
تشربُ نخبَ حُلمها
بجماجم أكثر الحكّام
وما بقي من عمرها
وتصحو بغزّة الأحلام
وندفنُ كلّ زعامة؟
وماذا لو أُذِنَ للأرض
أن تقذف من بطنها جُلَّ الفخامات والملوك
ويمشي الطول بالعرض
يمحو آثارهم
ويُذرّي رفاتهم
ومن الأحياء
يسحب الدماء
حتى آخرِ عرق
ماذا لو أُذِنَ لغزّة
أن تثأر للشهامة؟
وماذا لو أُذِنَ للحياء
وكشفت عن نفسها الندامة
بأن تكتب بالدماء
تعتذرُ عن الملامة؟
وتهبُّ العروبة
كإعصار الخُصوبة
تُلقحُ تاريخ المُصيبة
وتدفنُ كلّ نَعامة
بعدها سنأذن نحن
للعملاء بالرحيل
لكن لدار القيامة
ويومها لغزّة نقول:
حمداً لله على السلامة
حمداً لله على السلامة.
*شاعر وروائي لبناني