رضوان عقيل
على أهمية اجتماع ممثلي الأحزاب والتيارات المسيحية في بكركي وتنوّع خلافاتهم ووجهات النظر في بينهم حيال جملة من الملفات وفي مقدمها استحقاق رئاسة الجمهورية، فإن السؤال: كيف يلتقي هؤلاء على خلاصات واحدة تساعد في التوصل الى قواسم مشتركة مع المكونات الطائفية والسياسية الأخرى في البلد وتبقى المادة الأولى في هذا الامتحان: إتمام انتخابات الرئاسة الأولى؟ خصوم هذه القوى يقولون إنها على مختلف المشارب الدينية والحزبية وعلى مدار تجاربها بعد اتفاق الطائف لم تكن قادرة على بلورة مخارج أو حلول كبرى على مستوى انتخاب رئيس للبلاد من دون الاستعانة بتدخل من الخارج. وأمام القوى المسيحية التي اجتمعت تحت مظلة البطريرك بشارة الراعي يترقب الجميع بنود الوثيقة المنتظرة التي سترد مندرجاتها على جملة من القضايا الساخنة المطروحة على بساط البحث بين اللبنانيين.
وكان اللافت غياب “تيار المردة” عن هذا اللقاء مع التوقف عند إجماع المشاركين في اللقاء كلهم على عدم السير في انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية رئيساً، علماً بأن المشاركين لا يلتقون على اسم واحد بطريقة حاسمة ونهائية ولو تقاطع أفرقاء منهم على الوزير السابق جهاد أزعور ومن غير المؤكد أن يبقوا على هذا الخيار. وتبقى خلفية اللقاء رئاسية في الدرجة الأولى بغض النظر عن مضمون ما ستظهره الوثيقة.
ويعتبر “تيار المردة” أن الاجتماع في مكان ما هو تقاطع مسيحي ظرفي وجديد ضدّه لعرقلة ترشيح فرنجية ومن دون أن تكون بكركي مشاركة في هذا المسعى لهذه القوى لتحقيق هدفها هذا مع تشديد فرنجية في مجالسه ولقاءاته على عدم اعتراضه على الحوارات الثنائية بين الأفرقاء حتى مع “القوات اللبنانية” ومن دون استثناء أي جهة. وليس عنده أي مشكلة مع بكركي وهي في رأيه تبقى الصرح المسيحي والوطني المفتوح أمام الجميع. وسبق حصول مثل هذه التقاطعات المعارضة في وجه فرنجية، ولا سيما من طرف “القوات” والعونيين في أكثر من مرة وخصوصاً في عامي 1988 و2016. وليس من باب الصدفة حصول مثل هذا التقاطع الجديد اليوم الذي تختلط فيه بحسب مؤيّدين لـ”المردة” حسابات مارونية وشخصية وتقليدية ضد فرنجية.
وتختلف الصورة في المقابل عند الداعمين لهذا التحرك المسيحي بأن هدفه لم يكن بحسب الذين رسموا ووضعوا قواعده وهم مجموعة من الوجوه السياسية المجربة التي تتعاون مع الراعي من دون ضجيج وظهور إعلامي، إقصاء أي جهة وأن بكركي تصر على إشراك الجميع في كل مهمة وطنية إنقاذية تساعد البلد على الخروج من التعطيل وتحدّ من تخريب المؤسسات وانهيارها.
وثمة من يعتقد من حلقة الراعي من غير الكهنة أنه كان من مصلحة فرنجية أن يتمثل في هذه الجلسة، ولا سيما أنه لا يمكن لأي فريق أن يضع فيتو على أي اسم. ومن غير المنطق التسليم بمقولة أن ثنائي حركة “أمل” و”حزب الله” طلب منه عدم المشاركة، لأن القيادات الشيعية لا تسمح لنفسها بالطلب منه المشاركة أو عدمها ولا تتقبّل طبيعة الرجل هذا الأمر، وأي كلام من هذا النوع يستهدف “المردة” يدخل في باب المزايدات لا أكثر.
وفي خضم ما تقوم به بكركي من مبادارت ثمة من يعتقد أن فرنجية أخطأ في عدم حضوره الى طاولة المشاركين الى جانب الجهات المسيحية الاخرى التي لا يمكن لأي منها أن تقول إنه ليس من حقه أو غيره من الأسماء المطروحة عدم الترشح للرئاسة. وينطبق الكلام نفسه على المرشح النائب نعمت افرام الذي ينشط على خط تسويق ترشيحه.
صحيح أن أكثر الأفرقاء المسيحيين لا يلتقون مع فرنجية ويقفون سداً منيعاً في وجه ترشيحه ورغم ذلك كان في إمكانه الحضور عبر ممثل له لعرض رؤيته الرئاسية ولو كان يتلقى كل هذا التأييد من كل النواب الشيعة الـ27 ومجموعة لا بأس بها من النواب السنة مع تعويله على حصول تبدل في أصوات النواب الدروز.
وإن كان موضوع سلاح “حزب الله” يسبّب إحراجاً لفرنجية على الطاولة خشية أن تتضمّن الوثيقة الإشارة إليه فضلاً عن التذكير بضرورة تطبيق قرارات دولية يعترض الحزب عليها فإن من المتوقع أن العونيين على الطاولة لن يجاروا من يجلسون معهم في خيارات من هذا النوع ولو اختلف النائب جبران باسيل مع الحزب في مقاربته للحرب المفتوحة في غزة وجنوب لبنان.
وفي انتظار ما ستخلص إليه وثيقة اجتماعات بكركي وإن لم تكن محل قبول “المردة” في بعض عناوينها فإن من يعرف فرنجية بحسب المحيطين ببكركي يعتبر أنه لا يمارس سياسة القطيعة مع البيت المسيحي، وسيبقى على تواصل مع سيدها وهو محل ترحيب في الصرح وإن لم يلتق مع طروحات تتناولها الوثيقة.
وبالعودة الى حصيلة اللقاء حتى الآن فإن المعدّين لهذه الطاولة بإشراف الراعي يتحدثون عن جملة من العوامل الإيجابية بين الأفرقاء المجتمعين مع تأكيدهم أن الهدف ليس خلق إطار للمجتمع المسيحي بل التركيز على خلق إطار وطني جامع. وليس المطلوب خلق جسم مسيحي في مواجهة الآخرين. وليس من الضرورة أن يبقى هذا الإطار في لقاءات متواصلة لأنه عند انتخاب رئيس الجمهورية يصبح هو من موقعه المسيحي والوطني ناظم العلاقات السياسية والوطنية في البلد.
ولا مهرب من الإشارة هنا إلى أن المجتمعين لا يتفقون على مرشح واحد، فعلى سبيل المثال إن كانت “القوات” لا تمانع انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون فإن “التيار” لا يشاركها في هذا الرأي. وينسحب هذا الحكم على الآخرين من المجموعة المشاركة مع تشديد بكركي على عدم تدخلها في تزكية هذا الاسم أو استبعاد آخر بل تترك هذه المهمة لكل النواب الـ128 والطلب من الرئيس نبيه بري عقد جلسات انتخاب مفتوحة الى حين انتخاب الرئيس وتأمين النصاب المطلوب وعدم مغادرة قاعة البرلمان.