كتب كمال ذبيان في “الديار”:
استسلمت الكتل النيابية امام المبادرات التي اقترحها بعضها بشأن انتخابات رئاسة الجمهورية، ولم تقم بتحريكها او وضع آلية لتنفيذها، وكلها كانت تلعب في الوقت الضائع، لعلمها بان الاستحقاق الرئاسي لن ينجز في الداخل اللبناني على اهمية ان يُصنع الرئيس في لبنان، لكن هذا ما هو مستبعد لانه لم يحصل ذلك في الماضي، ولن يجري في الحاضر. فمنذ اول رئيس للجمهورية في العام 1943 كان بشارة الخوري خيار المندوب البريطاني في لبنان ادوارد سبيرز، في وقت كان اميل اده مدعوما من فرنسا التي كان لبنان دولة تحت انتدابها او استعمارها، فانتصر البريطاني على الفرنسي الذي اعتقل الخوري ومعه رياض الصلح ووزراء، لكنه لم يتمكن ان يثبت اده رئيسا للجمهورية، ففشل وتراجع نفوذ فرنسا لصالح بريطانيا.
فالرئاسة الاولى في جمود تام ،وان كانت تصدر مواقف من وقت الى آخر تدعو الى انتخاب رئيس للجمهورية لينتظم عمل المؤسسات الدستورية، وما زال هذا الطرح قائما لا سيما في عظات البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي تذهب كلماته في الهواء دون ان يكون لها تأثير مثله مثل كل القيادات الرسمية والروحية والسياسية، لان مفتاح الحل ليس في لبنان، وان كانت دول صاحبة حضور فيه تنصح المسؤولين اللبنانيين ، ان يسرعوا في حل عقدة الانتخابات الرئاسية.
وقد تشكلت “لجنة خماسية” للملف الرئاسي مكونة من اميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لكن عمل اللجنة التي مضى حوالى العامين على تكوينها ما زالت تدور في حلقة مفرغة، كما يقول مصدر في اللجنة الذي يكشف عن ان لا تقدم احرزته اللجنة في عملها، وهي اتكلت على ان يساعدها اللبنانيون في الاتفاق على آلية حل، سواء بما طرحه الرئيس نبيه بري من مبادرة قبل عام سماها “الحوار والانتخاب”، لكنه لقي معارضة من قوى سياسية مسيحية كما من بكركي، فعلق العمل بها ثم كرت سبحة المبادرات لكنها لم تحرك الملف الرئاسي، وهذا ما اضعف ايضا حركة “اللجنة الخماسية” يقول المصدر، الذي يؤكد بأن الانتخابات الرئاسية مؤجلة وهي ليست على نار حامية ولم تنضج طبختها بعد لاسباب عد،ة منها ما هو لبناني ومنها ما له علاقة باللجنة نفسها التي لم تضع خارطة طريق لعملها، لا بل ان خلافا موجودا داخلها لجهة المواصفات كما الاسماء المتداولة، وكانت تحاول بين كل فترة واخرى تفعيل عملها ودورها، ثم تعود الى الانكفاء والتراجع وهذا ما حصل منذ مطلع الصيف.
فانتخابات رئاسة الجمهورية تحضر في بعض الاتصالات اللبنانية الداخلية كما لا تغيب عن اللقاءات الخارجية ،لكنها لم تحرز اي تقدم ولم تعد تحتل المرتبة الاولى في الاهتمام الاقليمي والدولي، وباتت غزة خصوصا والحرب “الاسرائيلية” المدمرة عليها هي الاولوية لجهة وقف الحرب وتبادل الاسرى ومرحلة ما بعد الحرب، ولم تتمكن المفاوضات التي كانت تحصل بين كل من اميركا ومصر وقطر من الوصول الى حل، بسبب رفض رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتانياهو لكل المبادرات، ومنها التي اقترحها الرئيس الاميركي جو بايدن في 2 تموز الماضي واعتبرها اقتراحات “اسرائيلية”، لكن نتانياهو تنصل منها في وقت وافقت عليها حركة حماس، واعتبرتها المبادرة التي يمكن ان توصل الى حل كما قرار مجلس الامن الدولي.
وبالرغم من الدعوات الى فصل الانتخابات الرئاسية عن حرب غزة وما يحصل من مواجهة عسكرية في الجنوب، فان التطورات الميدانية تعرض الربط بين رئاسة الجمهورية وما حصل بعد عملية طوفان الاقصى في 7 تشرين الاول الماضي، لان نتائج الحرب سترسم خارطة سياسية كما تشكيل محاور وتحالفات، وتصبح انتخابات رئاسة الجمهورية حكما مرتبطة بغزة، برأي مصدر نيابي، الذي يشير الى ان مواصفات رئيس الجمهورية التي وضعها كل فريق قبل حرب غزة تبدلت ما بعدها، فاذا تمكن العدو الصهيوني من الانتصار فسيكون له مرشح على “محور المقاومة” ، واذا خسر الحرب فان الرئيس المقاوم هو الذي سيكون في قصر بعبد، وهذا ما ينطبق على رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجيه مرشح حركة “امل” وحزب الله قبل حرب غزة ومواجهات الجنوب، والتمسك به سيزداد لانه يعبر عن دعم كامل للمقاومة.
لبنان لا يحتمل رئيسا وسطيا يقول المصدر نفسه ، والذي يكشف ان ربط انتخابات رئاسة الجمهورية بالحرب على غزة والجنوب يصبح ممرا الزاميا، وان الفصل كان ممكنا في مرحلة معينة اما بعد دخول الحرب شهرها الحادي عشر والتطورات الميدانية واستمرار التصعيد وارتكاب المجازر والاغتيالات من قبل العدو الاسرائيلي، فان كل الحسابات تغيرت ومعها محاولات اقليمية ودولية وايضا لبنانية.