اللبنانيون يتنفّسون الصعداء: صار عنّا رئيس!

كتبت زينب حمود في “الأخبار”:

وأخيراً، «صار عنّا رئيس»، هذا ما ظهر في تعبيرات العديد من المواطنين بعد الإعلان عن انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية. اللبنانيون، بعد كلّ النكسات التي أصابتهم، والفراغ الرئاسي الذي طال، قد أصابهم الملل من سجال الأسماء والطبخات السياسية، وبات الجميع أقرب الى أن يشغل أحدهم كرسي الرئاسة ليتنفسوا الصعداء و«نرتاح…»، كما عبّر بائع جرائد في شارع الحمرا. غير أنه لدى العماد عون ما يخوّله ليكون «الفارس الذي سينقذ البلاد ويضرب بيد من حديد»، في نظر المأخوذين بهيبة البدلة العسكرية، والجسم المتين والأكتاف العريضة والعضلات المفتولة للرئيس «الفتيّ»، وبالإجماع الوطني والدولي عليه.

منذ الصباح، كان يبدو يوم أمس مفصلياً في الشارع اللبناني، وخلافاً لكل الجلسات السابقة التي فشلت في انتخاب الرئيس لأكثر من سنتين. وقد سادت حالة من الحذر والترقّب الشوارع وانعكست في حركة السير الخجولة. ومتابعة حثيثة للاستحقاق الرئاسي سطت على شاشات التلفزة والإذاعات وهواتف الناس، ليركّز الجميع على أخبار مجلس النواب. تجد في بيروت شابة تنكبّ على طباعة الكتب وسمعها موجّه إلى المجلس، وعين مصفف الشعر على رأس الزبون وأخرى على جلسة الانتخابات، فضلاً عن تعليقات الزبائن في المحالّ والمارّة على مداخلات النواب وخطاباتهم منتقدين رداءة بعضها، بين المذهبية والطائفية والمنحطّة أخلاقياً، ثم على نتائج الاستحقاق الوطني.

كان واضحاً للجميع أنّ العماد عون سيفوز بالرئاسة، إلى حدّ تخلّف سائق الأجرة هيثم عن متابعة «مسرحية انتخاب رئيس متفق عليه عبر الراديو، لأنه يمكن من دون عدّ الأصوات حمله إلى كرسيّ الرئاسة». وبينما كان واضحاً للجميع التدخل الخارجي في تحديد اسم الرئيس، فقد اختلفت ردود الفعل عليه. فأبناء الضاحية، مثلاً، أزعجتهم «الوصاية الدولية ومصادرة القرار الوطني». وفي محلّ لبيع لوازم النرجيلة، يتابع صاحب المحل دورة الانتخابات الأولى من دون حماسة، لأنّ «الرئيس سيأتي بأمر من الخارج»، كما يقول، ثم يدخل زبون ليطلب المعسّل فيلقي نظرة إلى التلفاز معلّقاً: «جاء عون رغماً عنهم وعنّا وبالقوة».

وكان الانزعاج يسود في الضاحية من وصول مرشح مدفوع من الولايات المتحدة الأميركية بالدرجة الأولى التي «تدمّر لبنان بسلاحها»، معطوفاً على هاجس إزاء موقف الرئيس الجديد من سلاح المقاومة. لكن، وصول عون «بمظلّة» الثنائي الشيعي في الدورة الثانية انعكس ارتياحاً على هذه البيئة. إذ شعروا بحضورهم المؤثر سياسياً من جهة، واطمأنوا إلى أنّ اتفاقاً تمّ مع الرئيس المنتخب قبل وصوله بشأن ملف الإعمار والوضع العام في الجنوب.

في الطريق الجديدة، تختلف الصورة تماماً، حيث العماد عون هو «رجل المرحلة». وبينما تدعو له سيدة من أمام محلها بالوصول إلى سدّة الرئاسة، يمرّ عسكري في الجيش لابساً بدلته، فتستوقفه، وتسأله عن رأيه في وصول «قائده» إلى الرئاسة، فيردّ «يا ريت». في هذه الأثناء، تنتشر الأنباء عن فشل عون بالحصول على 86 صوتاً في الجلسة الأولى، فيشحب وجه العسكري غير مصدّق: «حقاً؟»، يقول كمن يعلن خيبته وفشل رهاناته، وتردّ السيدة بالقول: «طار البلد».

وللطريق الجديدة قصتها الخاصة، فهي لم تخرج بعد من «نشوة» سقوط النظام السوري، وبينها قسم كبير «يتمنّى قدراً مماثلاً للبنان». ولا تشير تعليقات الناس في المنطقة الى أنهم يهتمون كثيراً بالتدخلات الخارجية: «هذا شيء طبيعي في بلادنا، كما يحصل في سوريا، وهو يمثل اهتماماً خارجياً باستقرار البلاد كجزء من استقرار المنطقة».

يعوّل الشارع السني على أن يأخذهم عون إلى «خاتمة الأحزان»، على حدّ تعبير مصفف شعر في الطريق الجديدة، «لأنه رجل قوي ولا يسير وفق إملاءات الآخرين، وظهر ذلك أثناء ثورة 17 تشرين الأول عام 2019، ومن خلال إمساكه بالمؤسسة العسكرية غير المتجانسة طائفياً في أوقات حساسة». وقبل أن يصلوا إلى «خاتمة الأحزان»، رسموا مخطط الاستقرار كاملاً بإعادة «الزعيم» سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة، كما يفعلون في كلّ منعطف تاريخي حالمين بأن تنهض البلاد على يديه أسوة بوالده.

Exit mobile version