على خلاف ما يجري على الأرض، حيث دخلت بكتيريا الكوليرا في مرحلة الانتشار السريع مع وصول عدد الإصابات التراكمي حتى بداية الشهر الجاري إلى 1889 إصابة، من بينها 186 إصابة جديدة، لا استنفار عاماً في المستشفيات الحكومية والميدانية التي يعالج فيها المصابون حتى الآن، إذ لا تزال نسبة الأسرّة المشغولة ضمن خانة المقدور عليه
89 حالة مثبتة وأخرى مشتبه بها بالإصابة ببكتيريا الكوليرا موجودة اليوم في المستشفيات للعلاج. إلى الآن، لا يزال تصنيف هذه الأرقام يقع ضمن خانة «المقدور عليه» في المستشفيات، فـ89 سريراً مشغولاً وقعها أسهل بكثير مما كان عليه وضع الأسرّة خلال فترة انتشار فيروس كورونا. لا مجال للمقارنة بين «الجائحتين» -أقلّه حتى اللحظة الراهنة- لسببين أساسيّين، أوّلهما أن عمر الكوليرا في لبنان لم يكمل شهره الأول بعد، وثانيهما «أننا تعلمنا الكثير من الكوفيد ــ 19 بالنسبة إلى كيفية التعامل مع الوباء الجديد»، يقول هشام فواز، رئيس دائرة المستشفيات والمستوصفات في وزارة الصحة العامة.
وعلى قدر هذه البداية، يسير القطاع الصحي الاستشفائي. فلا استنفار عاماً، كما حدث خلال مواجهة فيروس كورونا، حيث تنحصر مشاركة المستشفيات اليوم بستّة مستشفيات حكومية أعلن عنها وزير الصحة العامة، فراس أبيض، ثلاثة منها في منطقة الشمال (حلبا- عكار، طرابلس الحكومي والمنية الحكومي) واثنان في بيروت (مستشفى رفيق الحريري الجامعي ومستشفى بعبدا الحكومي) وواحد في البقاع (مستشفى الهرمل الحكومي).
عدد الأسرّة المتاحة
لم تأت هذه الخيارات عشوائية، إذ إن معايير الاختيار محصورة حتى اللحظة ببؤر الانتشار، كمحافظة عكار حيث تُصنّف بلدة ببنين فيها ببؤرة انتشار، وبخصوصية بعض المناطق كتجهيز المستشفيات في بيروت تحسّباً لما قد يحدث ورفع الجهوزية فيها خصوصاً إذا ما استدعى الأمر نقل بعض الإصابات الحرجة إليها. واستناداً إلى هذه الخصوصية وخريطة بؤر الانتشار، توزّعت الأسرّة الخاصة بمصابي الكوليرا، حيث كانت للشمال الحصة الأكبر منها، بعدد 236 سريراً موزّعة ما بين 114 سريراً في مستشفى حلبا (فُتح منها 40 سريراً أول من أمس) و84 سريراً في مستشفى طرابلس الحكومي (فُتح منها 35 سريراً أول من أمس) و18 سريراً في مستشفى المنية، ومن المتوقع إضافة 10 أسرّة أخرى و20 سريراً في المستشفى الميداني في ببنين.
المستشفيات الخاصة حاضرة للمواجهة إذا استدعت الحاجة
أما بقية الأسرّة فتوزّعت ما بين 12 سريراً في مستشفى بعبدا الحكومي، و10 أسرّة في مستشفى الهرمل الحكومي، و12 سريراً في مستشفى الحريري الحكومي. كما بدأت منظمة «أطباء بلا حدود» بتشغيل 20 سريراً في مستشفى برّالياس ومن المتوقع أن يصل العدد في وقتٍ لاحق إلى حدود 70 سريراً، بحسب فواز.
وبالتوازي أيضاً، يجري العمل على إدخال مستشفيات أخرى تبعاً للحاجة. لكن، بحسب فواز، لا يستدعي المسار اليوم قرع جرس الإنذار، انطلاقاً من أنه «طالما أنه لا ضرورة لذلك، ليس هناك من داعٍ لتحويل أسرّة في مستشفيات جديدة للكوليرا».
تجهيز المستشفيات الميدانية
مع ذلك، لا يعني انتفاء الحاجة إلى الوقوف عند هذه الحدود من المشاركة، إذ يشير فواز إلى أن العمل اليوم يجري وفق «خططٍ مدروسة» في ما يخصّ العمل في القطاع الاستشفائي. فإلى المستشفيات الحكومية التي تستقبل اليوم الإصابات والأخرى الجاهزة، انطلق العمل على خط المستشفيات الميدانية، حيث بدأ أول المستشفيات بالعمل في ببنين العكارية التي شهدت أول بؤرة انتشار، فيما يجري العمل على تجهيز ثلاثة مستشفيات ميدانية أخرى في منطقة عرسال البقاعية، وفي سير الضنية على مقربة من مستشفى سير الحكومي، وفي منطقة المنية. أضف إلى ذلك، يجري العمل على إعادة تجهيز الغرف التي استُخدمت سابقاً لاستقبال المصابين بالكورونا، لناحية التقسيم وزيادة أعداد الحمامات، «وهي أعمال تتطلب عملاً وتقسيماً جديداً»، يقول فواز.
والمستشفيات الخاصة
على الضفة المقابلة، وتحسّباً للهلع الذي قد يأتي مع سرعة انتشار الكوليرا، أرسلت وزارة الصحة العامة، أخيراً، إلى نقابة المستشفيات في لبنان كتاباً تسأل بموجبه ما إذا كانت هناك مستشفيات خاصة مستعدة لاستقبال المصابين بالكوليرا في حال استدعت الحاجة. وإن كان الجواب لم يأتِ بعد من النقابة، إلا أن نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، أشار في حديثه لـ«الأخبار» إلى أنه «إذا طُلب منا ذلك فنحن حاضرون»، لافتاً إلى أن «لا شيء يمنع ذلك انطلاقاً من أن الأدوية والأمصال لعلاج المصابين متوافرة إلى الآن»، وهو ما أشار إليه فواز أيضاً، لناحية «تأمين الوزارة الأدوية والأمصال والمستلزمات الخاصة بعلاج المصابين بالكوليرا».
مع ذلك، لا تمنع تلك التسهيلات هارون من الشعور بالقلق في حال زيادة الإصابات، خصوصاً «في ما يتعلق بالنقص في العناصر البشرية من أطباء وممرضين، فالمشكلة موجودة وقد تتأزّم مع الحاجة إليهم في حال انتشار الكوليرا». ولذلك، فإن المعيار اليوم بالنسبة إلى هارون هو أنه «طالما الإصابات بالمئات يمكننا أن نتحمل، أما في حال لامست الألوف، فأتوقع أن الوضع سيصبح أصعب». وهو ما نبّهت له أيضاً منظمة الصحة العالمية، متخوّفة من النقص في عدد العاملين الصحيين، كما الإمدادات الطبية، في مواجهة سرعة الانتشار، ولذلك عمدت إلى «إرسال فرق من الممرضين والأطباء لتلبية الاحتياجات المفاجئة في المستشفيات في المناطق الأكثر تضرراً»، بحسب بيان المنظّمة قبل يومين.